الدين الاجتماعي وتطور المقدس من الثابت الى المتحول…
المسألة هي الاصلاح وجعل الحياة صالحة للعيش , حياة الشعوب بالفقر والتأخر والظلم ليست صالحة للعيش ولم تكن صالحة.
تخضع الحياة الغير صالحة للعيش للعديد من المؤثرات , بعضها داخلي والبعض الآخر خارجي , ومن الصعب في هذا العصر فصل الخارجي عن الداخلي , ومن الصعب التأثير على الخارجي ,الدين والتراث هم من أهم المؤثرات الداخلية في هذه المنطقة , لذا كانت هناك محاولات لاصلاح الدين واصلاح العلاقة مع التراث, تطور اصلاح الدين جزئيا الى عكسه تحت تأثير رجال الدين , الذين روجوا بمختلف الوسائل لكون سبب الأزمة الحياتية -المعيشية كان الابتعاد عن الدين, هكذا تهيج التطرف الديني ,وولدت الصحوة من جديد , وأحيت تراثيات قديمة كانت قد ماتت .
نتائج هذا التطور كانت مخيبة للآمال , ولم تكن كما تمنى البعض, اذ لانزال الشعوب نسير الى الوراء !, ولهذا الاتجاه الورائي الممثل للفشل العديد من الأسباب , منها على سبيل المثال التباس الاصلاح مع الكفر , كافر من يحاول تأويل النصوص من جديد سبب ذلك كان الالتباس بخصوص الاصلاح والكفر ثم النقل والعقل , كافر من أراد تأويل النصوص من جديد!كافر من يجتهد , لأنه بذلك يتحول الى زنديق ومخترع للبدع الشريرة , التي لايريد المذهب التلوث بها , وبالتالي عليه بالنأي بنفسه عنها .
حقيقة لم يكن ذلك كفرا ولم يكن زندقة, ولم يكن مسا بالمقدس الديني , فالمقدس أصلا هو الانسان , الذي عليه أن ينجو من المعتقد الغيبي , الذي يهدده ويؤخره ويفقره , لم يكن الأمر محاولة للمساس بالمقدس والدين , بقدر ماهو محاولة للبرهنة على أن الدين ليس صالحا لرعاية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السياسية المعقدة,وفقدان الصلاحية ليس بالجديد,عمره هو عمر الدين .
لم تكن الجهود موجهة الى تغيير طبيعة الدين ,انما الى اعادة الدين الى طبيعته , أي الى خاصة الفردية بوصفه تجربة خاصة , وتعريفا لعلاقة خاصة بين الفرد والغيب ,الدين للكل أفرادا وليس للأفراد مجتمعا ,فالحياة الاجتماعية سياسية وليست دينية بطبيعتها , وادارتها تستلزم من الجميع القيام بواجباتهم , وتعطي الجميع حقوقهم , ليس من حق المجتمع , الذي هو ممثل للشأن العام, أن يتدخل بالدين الذي هو شأن خاص , وليس من حق او واجب الدين التدخل بالشأن الاجتماعي -السياسي العام , الدين والانتماء الديني هو مزيج من الحق والواجب الشخصي ,بينما المجتمع هو الجسد الأكبر في الدولة, وهو الذي يحدد حقوق وواجبات الشخص ككائن اجتماعي .
هدف كل الجهود في القرن التاسع عشروالعشرين كان اعادة الدين الى طبيعته الفردية الشخصية, وليس الى صياغة دين جديد , البعض تمادى في استنذاف الطاقات في مجال ومحاولة اصلاح طبيعة الدين , الاصلاح يعني عمليا الغاء الدين , الهدف لم يكن الغاء الدين , انما كان وضع الدين بدون محاولة اصلاحه في مكانه الطبيعي , الذي هو المجال الشخصي ,وهذا مايمكن التعبير عنه بفصل الدين الشخصي عن دولة المجتمع .
هل اعادة الدين الى طبيعته الفردية نهاية المطاف أو الحل الوحيد لمشكلة الانسان مع الدين ؟ , الا توجد بدائل لقبر الدين مع المنتمي اليه في مقبرة الهامشية , بالتأكيد هناك بدائل صاغها العقل ,واذا كان المجتمع منطقة محرمة على الدين no go area , فأين هي المشكلة لو حاولنا تدجين الدين وتجنيسه بالجنسبة الاجتماعية, اذ أنه من الممكن تحويل الدين الى فاعل اجتماعي , أي أنه من الممكن خلق مايسمى الدين الاجتماعي , وهذا ما حدث في أوروبا بفضل النهج العلماني , تم ذلك عن طريق الغاء الخاصة الشخصية للدين , وعن طريق جعل المقدس دنيوي ,اذا كان هناك مقدس فهو الدنيوي ! , اي الانسان , تحويل الدين الى فاعل اجتماعي , يتطلب اضافة الى ذلك قلب مفهوم التقديس , المقدس هو لخدمة الأنسان , وليس الأنسان لخدمة المقدس , ولما كان المقدس خادما للانسان , والانسان متطور متغير , عندها سيتحول المقدس من الثابت الى المتحول .
اذا كان الدين قيما وأخلاق , مهمتها خدمة الانسان المتغير المتطور والمتكيف مع تغيرات وتطورات الحياة اليومية , لذلك يصبح تطور وتغير الدين الاجتماعي حتمي , لأنه في هذه الحالة على الدين أن يتكيف مع الانسان , لكي يتمكن من خدمته , الدين الذي يريد من الانسان أن يخدمه ويرفض مواكبة الانسان في خلق واقع جديد باستمرار , هو الدين المغترب عن الانسان , وبالتالي الدين الفاشل أو الذي سيفشل , انه الدين الذي يقف عائقا أمام نفسه الاجتماعية , التي تريد أن تعمل وتديروتبدع باشراف العقل , أي باشراف نظم وقوانين وأحكام وضعية تستقيم مع التطور الى الأفضل , القانون الوضعي هو المقدس في الدين الاجتماعي , والقانون الألهي هو المقدس في الدين الشخصي , البعيد عن المجتمع وبالتالي البعيد عن السياسة , أي البعيد عن الدولة , لأن الدولة مؤسسة سياسية بامتياز .
لايفكر رجل الدين , الذي تحول في أوروبا الىى فاعل اجتماعي , بمرجعية مقدسة تطورية ومتغيرة خارج اطار القانون الوضعي , أي منتجات العقل البشري , الذي يصيغه الانسان المقدس , مقدس بسبب مقدرته على التكيف مع الواقع , المتحول هو المقدس وليس الثابت ,الواقع المتغير مقدس لأنه متنكر للثبات والجمود , أي للثابت …الخ , لهذه الأسباب لم يعد الدين في اوروبا مزعجا للانسان , وأصبح بامكان الانسان الاقتراب من الدين دون مخاطر الصدام وبالتالي التحارب , كل ذلك كان نتيجة لتقديس الانسان بدلا من الله ودينه , ونتيجة للانقلاب على منظومة التخديم , الانسان مخدوم وليس خادم , الدين خادم وليس مخدوم , وبعد أن تحول الدين الى دنيوي , ولم يعد الهي غيبي يريد من الانسان ممارسة الطاعة والانصياع , الدين هو الذي عليه أن يطيع الانسان وينصاع له ولعقله!
Post Views: 142