الانهيار بسم المزيج الديني -الدنيوي …..
سيريانو :
أطلق المحمديون على تصاعد مدهم السياسي خلال العقود الثلاثة او الأربعة الماضية اسم ” الصحوة”,وكأن المحمدية السياسية كانت في سبات عميق ثم تم ايقاظها , المقصود هنا اليقظة السياسية وليس الدينية, وكأنهم كانوا قبل تفشي السياسي أكثر تدينا وقربا من روح الدين مما نراه الآن في دول مثل العراق وسوريا, ونرى العكس منه في دول مثل السعودية والخليج , نرى الآن في سياق ما تسمى “صحوة” كثرة التدين الشكلي وكثرة المجازر, مما اثار موجة عارمة ليس فقط ضد السياسي , انما ضد الدين نفسه , فأعلى نسب النفور من الدين نراها في الدول والمجتمعات التي ابتليت بذلك السياسي مثل ايران والسعودية والخليج وافغانستان تحت حكم طالبان , نلاحظ عكس ذلك في تركيا المحكومة من قبل حزب ذو جذور دينية , الا أنه تخلى عن فرض نظام اسلامي والتزم الى حد كبير بعلمانية اتاتورك , وبقدر مقبول من احترام الديموقراطية .
ليست ما تسمى صحوة سوى الكذبة التي تسبق عادة الموت , أي موت ايديولوجية اولئك الذين وظفوا الدين لتحقيق اغراضا دنيوية ,مثل الهيمنة على السلطة كما هو الحال في سوريا,من خلال التسلط على رقاب الناس ودمائهم وادعائهم امتلاك مفاتيج الجنة والنار ثم فشلهم في حل مشاكل الشعوب الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بسبب الفساد والقصور في فهم آلية حصول تلك الاشكاليات , منها مثلا اشكالية التكاثر والانجاب , ضرورة تكاثر المجاهدين لأسباب تتعلق بالغزو قبل ١٤٤٠ سنة , تحولت الى كارثة التكاثر والانجاب في هذا العصر , اذ ليس من الممكن تحقيق نهضة اقتصادية في سوريا لطالما بقيت نسبة النمو البشري ب ٣,٢٪ الاعلى في العالم , بينما نسبة النمو الاقتصادي الأدنى في العالم , لاوجود لدولة تعيش على الصدقات من قبل المجتمع العالمي على المدى المتوسط والبعيد كما تعيش سوريا الآن , التي تستجدي رواتب موظفيها من قطر وغير قطر , ولا وجود لدولة في العالم تمارس ذلك الاصرار على اعادة المجتمع الى السلفية والى اجترار الماضي وفرض احكام القرون الغابرة على مجتمعات القرن الحادي والعشرين , كما يحدث في سوريا والعراق على سبيل المثال , الأمر لايتعلق فقط في الفشل الاقتصاددي الحتمي انما الفشل في الحفاظ على الدولة وتماسكها كما تركها سايكس -بيكو , فكم هو عدد الأجزاء المستقلة الى حد كبير في سوريا الآن؟, هنا يمكن الحديث عن خمس دويلات مثل دولة شرق الفرات ثم دولة الساحل ودولة الجنوب الدرزي ثم دولة الوسط الادلبي وفي الشمال دويلة تركية , ولا نعرف كم سيبلغ عدد الدويلات مستقبلا! , يبدو ان المحمدية السياسية التي اصابت الأسدية قبل الجولانية تحمل بذور فنائها في ذاتها ولاديا , ويبد ايضا أن نمو هذه البذور معاكس لحركة التاريخ .
لابد هنا من السؤال عن اسباب وقوع هذه المجتمعات بتلك المطبات الصعبة, وما هي اسباب تلك النزعة الماضوية , التي رأيناها بشكل تهريجي في فرض الجلابية القريشية علىى من يلعب كرة القدم , وكأنه كانت قريش تمارس لعبة كرة القدم , وهل بامكان السلطة الدينية الحالية منع لباس الشورت والتيشورت على العالم , منظر ما رأيناه قبل ايام كان من أكثر المناظر اثارة للسخرية والتعجب والتهريج , ولكن من الممكن فهم ذلك عند دراسة تطور الشعوب من عصر الحجر الى اليوم .
مرت البشرية في تطورها بثلاثة مراحل , المرحلة الأولى كانت مرحلة اللاعقلانية أي مرحلة الخرافة والأساطير , ثم مرحلة العقلانية اي فلسفة النهضة والتنوير, وأخير كانت مرحلة العلمية , والشعوب لاتمر بتلك المراحل في آن واحد وبشكل متوازي , بين تلك المراحل كانت هناك فواصل زمنية مختلفة , تعيش الشعوب المحمدية الآن في نهاية مرحلة الخرافة والأساطير كما عبر عن ذلك شيخ مصري بادعائه ان النباتات تسمع الآياة وتمارس الصلوات , ومحصول هذه النباتات كالقمح اعلى بدرجات من محصول النباتات التي تعالج بالسماد الكيماوي , اي أن السماد الديني متفوق على السماد الكيماوي , اضافة الى ذلك اكتشف الشيخ ان النباتات تسمع , ولم يبق له سوى القول انها تتكلم ايضا , من هذا النوع من الخرافات هناك الكثير , حتى أنه يمكن القول ان الخرافة تسيطر على الذهنية الدينية بشكل مطلق .
يدعي تقسيم مراحل التطور بأنه من غير الممكن حرق مرحلة من المراحل , لذا لابد من ان تمر المجتمعات بتلك المراحل , وقد مرت عدة مجتمعات بها بتباين واضح , قاد الى صراع كبير بين الشعوب الممثلة لتباين المراحل , مثل ذلك الصراع الذي نعيشه الآن بين مرحلة العصر العلمي الغربي والشرقي مع مرحلة الخرافة الشرق اوسطية اي المنطقة العربية , المصرة على الخرافات التي ذكرنا مثلا مبتذلا عنها .
ادعى الفيلسوف الألماني هيجل في كتابه (فلسفة التاريخ) ما معناه, أن تاريخ أي شعب لا تقرره العوامل الداخلية فحسب ,بل العوامل الخارجية أيضاً , أي أن مصير كل شعب مرتبط بمصير العالم كله,ويمكن القول أن التأثير الخارجي على المسار التاريخي لأي شعب بلغ الذروة في عصرنا الحالي أي عصر العولمة ,حيث تتشابك مصالح الدول فيما بينها,وأي مشكلة محلية تعتبر مشكلة دولية , والمثال الحالي عن ذلك التشابك كانت ايران , التي سوف تدمر نهائيا لأنها تريد ايضا تدمير العالم او على الأقل فرض شروطها عليه , سبق احداث ايران حدث العراق وحدث افغانستان الممثلة للاستعصاء الحضاري , ليس من الغريب أن تتحول سوريا الى افغانستان ثانية , وذلك بعد ان ينضب نبع الأكاذيب والوعود التي تمارسها السلطة الحالية للعديد من الأسباب , منها وجود عدة سلطات في اطار الجولانية , التي لاتسيطر على البلاد ولا تسيطر على ذاتها كوحدة سلطوية , هناك فروق كبيرة بين الجولاني وبين ابو عمشة او ابودجنة او وزير داخلية او غيرهم .
لابد هنا من التلميج الى مصير حماس ومصير غزة معه ثم مصير حزب الله ومصير لبنان معه , ثم مصير حكم الوالي الفقيه ومصير ايران معه , كلهم جلبوا الكوارث للمجتمعات التي سيطروا عليها , وحتى الاردوغانية المعتدلة نسبيا والمتخفية وراء اتاتورك سوف لن تنجوا من مصير كالمصير الايراني او الغزاوي او اللبناني , فتقسيم تركيا ممكن , على الأقل يتم الحديث عنه في الأوساط السياسية , فمعظم الأحداث الكبرى تبدأ بالحديث عنها والتلميح اليها ثم تتحول الى واقع , لربما تسقط تركيا على يد المشكلة الأرمنية- الكردية -العلوية , وعلى يد قرارات الأمم المتحدة الخاصة بادانة تركيا بسبب المشكلة الأرمنية قبل سنوات , يبدو وكأن عصر اردوغان السياسي قارب على نهايته, كما انتهت الاخونجية في الكويت وكما ستنتهي في الأردن وانتهت في مصر وكما حصل في لبنان عام ٢٠٠٩ عندما انتصرت قوى ١٤ آذار على تيار حزب الله , وكما حدث في مراكش وكما سيحدث في العراق وغيره من دول المنطقة مثل السعودية الرائدة في هذا الخصوص .
الأصولية على علم بكل تلك التحولات , التي سوف تشمل سوريا شاء الجولاني ام ابى , سوف لن يستفيد الجولاني من ارتكاب المجازر ومن مفهوم الفلول واختطاف النساء وتفجير الكنيسة او تهديد المدرسة الفرنسية الخ , تلك التصرفات ليست دلالة على القوة انما برهان عن الضعف , من الضعف ارغام المسيحيين على الهجرة ,فالنبذ ضعف وليس قوة !
Post Views: 185