الجراد البدوي والانحطاط …..
ما بيطار , ممدوج بيطار :
ماذا حمل الفاتحون معهم عند قدومهم الى بلاد الشام ومصر وغيرها , هل كان بيدهم كتاب او رجل دين او لغة او علم او ثقافة او فلسفة الخ ؟ , لم يكن بيدهم سوى السيف ومفهوم جئتكم بالذبح ثم مبدأ اسلم تسلم أو ادفع الجزية وأنت صاغر وعن يد او حارب حيث ستقتل ذبحا بالتأكيد , ماذا ننتظر من مستعمر فاتح من هذا النوع الكهفي مقارنة مع الغزوة الفرنسية لمصر التي رافقها العديد من العلماء , الذين فككوا اسرار اللغة الهيروغليفية , ثم جاؤا بالمطبعة والطباعة وغير ذلك , طبعا كل ذلك لم يكن من أجل سواد عيون المصريين , انما من أجل منفعة خاصة او بالأحرى من أجل مفهوم حضاري امتزج بالاحتلال , فمصر تقدمت على يد المطبعىة واستفادت من الوجود الفرتسي بشكل ما , حتى لو كانت الفائدة جزئية, وماذا استفادت مصر من عمرو ابن العاص الذي اكتشف ان المصريات لعوبات, وان المصريين يجمعهم الطبل وتفرقهم العصا , وأنه عليه رفع مستوى “الخراج” المصري بأوامر من الخليفة الأحمق عمر .
لم تكن هناك اي فائدة ولم يكن هناك سوى الضرر والاجرام والبدائية , التي تمكنت مع الزمن من التجذر في نفوس الناس , والتي لاتزال مهيمنة لدرجة كبيرة عليهم , بالرغم من تآكلها الكبير عن طريق كشف الستر عنها , من أسوء نتائج الغزو البدوي كان ذلك الجمود في كل جوانب الحياة , لافرق بين الجمود الذي سببه الاستعمار العثماني وبين الجمود الذي سببه استعمار الجراد البدوي القريشي !.
كان تعاطي أو تفاعل الشعوب مع التاريخ قبل عصر التواصل الاجتماعي الحر منقوصا , فعندما نتعرض لأي استعمار الآن نستنكره ونستقبحه ونعرف ان مهمته الاساسية لم تكن مصلحة المستعمرات , يشذ العروبيون والاخونحية عن هذه القاعدة , اذ يعتبرون الاحتلال البدوي فتحا مبينا يجب الاحتفاء والاحتفال به , الى درجة تمجيد رموزه كأن تسمى الجوامع والمدارس وغيرم باسم رموز الغزاة ,اي باسم الخلافة وباسم قادة عسكرها, على أساس مفاهيم عروبية اخونجية مثل مفهوم الولاء والبراء , الذي يهتم بالأمة الدينية ولا يهتم بالوطن الأرضي , لابل يحارب الوطن الأرضي , لكون الدين الأممي بمثابة ” وطن ” , لايقتصر الأمر على الغاء الأوطان التي تشكلت حسب المفاهيم الحديثة , انما توسع الالغاء الى الأسرة ,اذ أصبحت اهمية الدين اعظم بدرجات من أهمية الأم او الأب او الابن او الزوجة , عندما يرتد الابن عن الدين يقتل حتى بيد والده , الدين كان اساس كل ذلك الاجرام والجنون .
كل ذلك والكثير غيره , مثل استباحة الأوطان واتلاف العلاقات الاجتماعية مثل الأمومة , يدل على أن حضارة ولدت قبل ١٤٠٠ سنة , وكانت ثرية عظيمة حسب ادعائهم الكاذب , تلاشت في عصر النبش والحفر والكشف عن المستور , لقد تم التعرف على جيفة متفسخة كانت متخفية خلف الأكاذيب والأوهام , قبور مليئة بزبالة الرزائل والفضائح والتأخر والجمود , وبالتالي مدعاة للسخرية وليس للفخر.
قامت غزوة مصر وغزوة بلاد الشام على يد همج حملوا السيوف , لم نسمع شيئا عن كتاب كتبوه او فكر ابدعوا به , كانوا اميون بما فيهم ابن عبد الله , لم يضيفوا شيئا على حضارة بلاد الشام او حضارة مصر وغيرها ,لابل هدموا مابناه الأقدمون في مصر وفي بلاد الشام حتى بعض الأهرامات , والأمر انطبق على بقية المناطق المفتوحة , التي تم تملكها من قبل الغزاة كتملكهم لغنائم حرب أخرى كالسبايا والجواري والأملاك ولكل شيئ توفر كالمال بشكل جزية كان على الأحياء دفعها وهم صاغرون , لابل كان على الأحياء دفع الجزية عن الأموات في مصر , كانت استباحة كاملة للبشر والحجر بدون اي معرفة بادارة الدواوين والسجلات الخاصة بالمال والغنائم ,هنا استعانوا في مصر بالأقباط وفي بلاد الشام بالسريان.
لايمكن اعتبارالغزو وتجميع غنائم الحرب “تحضير”أو ” تحرير ” اذ لم تكن شعوب المناطق المفتوحة متدنية حضاريا,ولم يكن المصري أو السوري بحاجة لأن يتعلم من الغزاة شيئا حضاريا, باستثناء نوع التعامل مع السيف ثم السبي والسرقة , التي مثلت بالنسبة لهم الهدف الأساسي الرئيسي , بقي المزارع السوري وبقي المزارع المصري وراء محاريثهم , ومع الزمن اندثرت حتى الزراعة , ولم يتم اختراع اي شيئ جديد , حتى أن الغزاة البدو لم يتعلموا من حضارات الشعوب , التي ابتليت بهم .
بقيت الآثار الرومانية والفرعونية المصرية شامخة تتحدى الزمن , ولم تقتصر همجية الجراد البدوي على عدم التقدم او التعلم من الشعوب المتحضرة , انما حرصت الهمجية على استنشاط التأخر , وبذلك يتوازن المستوى البدوي العسكري الهمجي نوعا ما مع مستوى البلدان المفتوحة الحضاري , ولاضعاف المستوى الحضاري لجأ جراد البدو الى التهديم المقصود , لقد هدم صلاح الدين العديد من الأهرامات ولا يزال الاخوان مصرون على هدم الأهرامات , لم تفعل البدوية غير ذلك في بلاد الشام , ولم يقتصر التهديم على عصر الفتوحات , انما تجاوز ذلك الى العصر الحالي مثلا على يد داعش بالدرجة الأولى , قبل داعش مارس الاخونج ذلك , وقبل الاخونج مارس العثمانيون هذا الأمر.
لايجوز انساب الحضارة الى غير من صنعها ,لقد كانت الحضارة الفرعونية من صنع الفراعنة اي المصريين القدامى , وحضارة مابين النهرين من صنع الآراميين والسريان والكلدان وحضارة المايا من صنع شعوب المايا , وماذا صنع البدو وما هي الكتب التي كتبوها او البناء الذي شيدوه والقوانين التي سنوها ثم الأعمال الثقافية التي مارسوها ؟, لم يكن في الدين فنون او فلسفة او علوم , فالرسم ممنوع والصورة ممنوعة والمسرح ممنوع وحتى اقامة المكتبات كانت ممنوعة , والمطبعة كانت ممنوعة , باستثاء اللحى التي وصلت طولا الى الركاب , ثم الصلاة وممارسة النكاح باشكاله الحيوانية الاغتصابية المختلفة ,أما القتل والذبح لأتفه الأسباب فقد كان مرحبا به , وكأنه نوعا من أنواع التعبد .
عندما نتناول او نقيم اي غزو استعماري قديما او حديثا نستنكره وندينه ونستقبحه, لكونه ممثلا لأطماع استغلالية بوسائل بربرية همجية, لكن المستعربون والاخونج لايعتبرون غزوة الجراد البدوي استعمارا بل فتحا مبينا , يشيدون به ولا يتورعون عن اقامة الاحتفاليات في ذكراه, لابل سموا المدارس والشوارع والمساجد بأسماء المجرمين مثل صلاح الدين او ابن الوليد او عقبة بن نافع تخليدا لهم , كل ذلك برهن عن عدم معرفة المستعربون والاخوان بحقيقة غزوة الجراد البدوي , أو انهم يعرفون ذلك , ولكنهم يريدون توظيف تلقين التمجيد في تسهيل امكانية تسلطهم وكأنهم امتداد للجراد البدوي , اي أنهم يريدون ان يكون لهم امتياز النهب والتسلط والسرقة كما كان للجراد البدوي , انهم مصابون بالازدواجية من ناحية , ومن ناحية أخرى لايملكون من وسيلة للعيش سوى النهب والسرقة , ثنائية العمل – الانتاج كانت مفقودة عند البدو وبقيت مفقودة عند المستعربين حتى الآن .
أصلا لايريدون التقديس الا لأنفسهم ,ويستخدمون التقديس في عملية تطويع الوعي وتهجينه حسب معاييرهم المطاطية بخصوص المقدس , الذي تحول الى اشكالية كبيرة , خاصة بعد تمدده الى المستوى الشخصي, وهكذا وصل السنوار الى مرتبة عمر, وعمر وصل الى مرتبة اله مقدس , حتى الغزو اعتبر مقدسا , والتلفيق على الخالق من قبل خلقه أصبح مقدسا , القتل مقدس والكثير غيره , احيط المقدس بجدار التكفير ومن يكفر يقتل ,هكذا وبكل بساطة ! , هناك المزيد من الأحداث المشابهة, التي لايتسع المجال لذكرها , الا أنه ستكون هناك تتمات مستقبلا !