ممدوح بيطار, مهما بيطار :

بالرغم من كل ذلك سيجيب من يسأل عن مبررات او أسباب اعتناقه لعقيدة دينية معينة , بأن تلك العقيدة أمنت له فهما للحياة والموت الأرضي , الذي لايشكل صيغة الموت النهائي , فقد حرص التفكير الديني على اختراع حياة أخرى لايمكن نفيها ولا يمكن تأكيدها , وحرص على اقامة علاقة تكاملية بين حياة الأرض والحياة الأخرى , اي بين الواقع والوهم ,الوهم الذي يبشر بالخير , حول الخير الى أمرا كارثيا بالنسبة للحياة الأرضية , التي قزمت واحتقرت على يد الأوهام ,وبالتالي الحق بها عظيم الضرر .
باسم الخير ومن أجل الخير تم فرض التجانس على شعب الأمة , ثم فرض دين على شعب الأمة , ثم فرضت شريعة على شعب الأمة بطرق تنم عن سوء ادراك لطبيعة الانسان , التي لاتعرف الا الاختلاف ,قمع الاختلاف هو شر كبير ويمثل قمع الانسان , قائمة الفروضات باسم الخير والممثلة للشر طويلة جدا ولا يتسع المجال لذكرها وبحثها تفصيليا .
يمثل المقدس والمطلق اطار التفاعل والتعامل مع الدين , وتفاعل الذات مع الدين يمثل ما يسمى التدين ,واذا اصبح المطلق والمقدس مشكوك به ومختلف عليه , سيصبح التدين مشكوك به ومختلف عليه , الشك ليس مهمة الآخر حصرا , انما من صلب مهمات المتدين , على المتدين أن يفهم ويدرك ويشك ويرتكس ويقيم ويكتشف الخطأ والصواب ,وبتحول تدينه الى “شكلي” ,يدين الدين في صميمه ويرفض الدين بمجمله , يمثل التدين الشكلي احتقارا للدين وازدراءا لاشعوريا له , ولولا الخوف من عواقب الخروج عن الجماعة وارتكاساتها الدموية ومن الاعدام الاجتماعي ومن أحكام الردة , لما مارس البعض تلفيقات التدين الشكلي , جوهر التدين الشكلي ليس نفاقه وتناقضاته فقط , انما تعبيره عن انعدام وجود الدين في هذا التدين , اي بداية نهاية الدين .
حتى في الشرق المتدين شكليا هناك نفور من الظاهرة الدينية , التي تجلت بنشاطات الاخونج والجماعات الجهادية الأخرى , سبب النفور كان التنوير بخصوص استثمار واستهلاك الدين, في زمن لايعرف سوى الاستهلاك , هناك تشابه عميق بين الدين والثقافة الاستهلاكية المتجلية بنمط التدين الشكلي , الذي لايهتم بتفاعل وانعكاس الدين على الممارسات وعلى السلوك , بقدر اهتمامه بممارسة الطقوس التعبدية والعمل الحثيث على اظهارها مشهديا بشكل يوحي ظاهريا بوجود الدين وهيمنته , بينما النتيجة هي عكس ذلك , الاتجار بالدين عن طريق بيع الدين كتدين شكلي ينفي وجود الدين , او يعبر عن انتفاء وجود الدين , اي نهاية الدين, لقد انتهى الدين عندما تحولت محبة الله الممثل للفضيلة الى كره وعداء ورفض للغير ,ثم الكذب والتلفيق ,وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ,لانرى اي رحمة في حد الردة على سبيل المثال !.
كانت الثورات الاجتماعية ثورات من أجل الحرية والعدالة والمساواة , بينما ثورة الدين كانت بشكل رئيسي من أجل جسد المرأة وتغطيته وتقزيمه واستهلاكه واحتقاره , اكتشاف كون المرأة ناقصة عقل ودين كان أهم من اكتشاف مسببات العنف , اكتشاف مسببات افساد الصلاة كان أهم من اكتشاف مسببات افساد الحياة الفقيرة المريضة العنيفة العنصرية الطائفية ,مفردة جنس دنس ,والعياذ بالله !, وبالرغم من كونه دنس حطم العرب االمحمديون ارقاما قياسية بالبحث عن الجنس , العرب المؤمنون مهتمون لأسباب دينية بالقضاء على المغريات الجنسية , ولكنهم الأكثر بحثا وتنقيبا عنها ,تناقضات بدون سقف او حدود !.
من كل ماذكر يمكن القول بأن الدين ينتهك انسانية الانسان , الايمان ليس رديفا للصفاء الروحي والسمو الاخلاقي , الغرق في الأوهام والخرافات والغرق في الحروب والتقتيل وممارسة العنف ليس من الفضيلة بشيئ , حاجة الانسان سابقا للدين لاتعني استمرار هذه الحاجة في كل زمان , ويمكن لما كان نافعا في سياق تاريخي ان يتحول الى ضار في سياق تاريخي آخر , سؤال برسم الايمان الشكلي , هل عرف المؤمنون الله عندما صرخوا لا اله الا الله ؟