ممدوح بيطار , جورج بنا :

لقد ساهمت الأصولية الاخونجية تحت الرايات السوداء وتحت أسماء مختلفة في اثبات صحة نظرية هنتتغتون حول صراع الحضارات او ما يسميه جيلبير الأشقر صراع الأصوليات , والأصح حسب رأينا ما كتبه جيلبير الأشقر عن الأصوليات,الموجودة في كل مكان حتى في الغرب , الفرق بين الأصوليات الغربية وبين أصوليات الاخوان , هو أن الغربية ارادت أن يكون هناك نوعا معينا من العالم , بينما ارادت اصولية الاخوان ان لايكون هناك اصلا عالم , وجود عالم الأرض يتناقض مع نظرتهم العدمية لمجمل الحياة , فالحياة حسب رأيهم لجزء صغير جدا ارضية فانية ولكنها كليا سماوية خالدة أبدية , لا مقارنة بين الجزء الفاني والجزء الكلي الخالد , الأساس المهم هو السماوي وليس الأرضي .
السماوي هو الأهم بنظر الأصولية الدينية السياسية , لكونه أفضل نوعية من الأرضي كما تم شرحه في توصيف الجنة بحورياتها وغلمانها وخمورها وانهار عسلها ثم أغشية بكارة حورياتها المتجددة يوميا, كل ذلك كان موضع عناية وترويج واحتضان من قبل الأصولية الدينية السياسية , التي أوصلت كل بلدان المنطقة الى حافة الاندثار بالشراكة مع العروبيين , أسس كل هؤلاء الماضيون دول الله وحكومات الله وشرعية الله المستوردة من السماء والمرفقة بلعنة الله , الذي خذلهم بحد قدراتهم على الانتماء الى التاريخ العالمي , أي أنه وضعهم خارج التاريخ بالباسهم جلابية العنف والقتل وهدر الدماء,لم تتقن الأصولية الدينية فنون الانتماء الى التاريخ البشري مقارنة مع اتقان الانتماء الى الغابة ,التي استوى بها القاتل مع المقتول بما يخص حظوظ الوصول الى الجنة , لذلك كان هناك اصرارا وحرصا على افناء الذات وافناء الغير لتسريع الوصول الى الخلود في جنان السماء تحت ادارة الخالق عز وجل !.
حاولت شاعرة فضولية نسوية كويتية متزندقة التعرف على الله , لذا ذهبت الى مكة باحثة عنه ولم تجده , لم تجد الشاعرة حتى في مكة سوى العنف الممثل لعقيدة الاخوان , الذين يريدون التحكم بالبشر من على الكرسي , الذي يعمل في هذا العصر “كهربائيا “,وبالتالي يميت من يجلس عليه ! , لذا أصبح الشغف بالكرسي والجلوس عليه عدمي ,هكذا كان مصير الاخوان بعد جلوسهم على بعض الكراسي مثلا في مصر , سابقا كنا نظن ان جلوس الاخوان يعني بقائهم ابديا , الآن نعتقد ان قدومهم لم يعد بالأمر الكارثي , لأن رحيلهم سيتلو قدومهم بسرعة أكثر من المتوقع , لاوجود في العالم لحكومات تستطيع البقاء على الكرسي بخصوصية دينية ١٠٠٪, نظم الدول تعولمت وفقدت الكثير من خصوصياتها, الدول ونظمها تعيش الآن على القواسم المشتركة مع غيرها في المحيط العالمي ,كلما ازدادت القواسم المشتركة , التي تسمح باقامة علاقات مشتركة ارتفع مستوى حياة الشعوب وبالتالي امكانية بقاء اي نظام , بالنسبة للاخوان لاوجود لقواسم مشتركة مع معظم دول ومجتمعات العالم , لذلك أصبح انهايارهم بعد الوصول الى الكرسي أمرا حتميا كيف سيستمر نظام طاليبان الأفغاني ولحد الآن لم تعترف به دولة واحدة في العالم !,لذا أصبح سقوطه حتمي .
ليست كل الكيانات المتأثرة دينيا نسخا طبق الأصل عن افغانستان , هناك نوعيات مخففة بعض الشيئ مثل دولة مرسي الدينية في مصر ودولة الغنوشي سابقا في تونس , ثم دولة البشيرالبائدة في السودان, وحتى في المغرب حكم حزب كان نسخة طبق الأصل عن حكم الخليفة اردوغان , ناهيكم عن السعودية قبل استلام محمد بن سلمان لمهام الحكم وكيف تطورت السعودية في فترة قصيرة نسبيا ,كل دول المنطقة كانت فاشلة سياسيا , لأنها لم توفر لشعوبها الحرية ولم تحقبق الانتقال الديموقراطي ,اقتصاديا نشروا الفقر والفساد , لربما خفف البترول من حدة الفقر لكنه لم يخفف من حدة الفساد,رحلت معظم هذه الدول مواطنيها الى القبور قبل أن يموتوا عضويا , الاقصاء والعنصرية والتكفير موت وقتل , التكبير ليس طريق الحياة , بدليل أنه لايموت من الجوع في هذا العصر سوى المكبرون ,التكبير كان من أهم التمظهرات اللفظية للمذهبية السياسية, التي جمعت تناقض السياسة المتغيرة مع الدين الجامد ,
هناك بعض الغموض والضبابية حول المذهبية السياسية , بالرغم من ذلك الغموض يمكن التعرف على بعض معالم أو وظائف او ممارسات هذا المفهوم ,من هذه التمظهرات الأهمية الفائقة للاستيلاء على السلطة بأي اسلوب كان , ان كان انتخاب او تمرد عسكري أو مواجهة مسلحة , الوصول الى السلطة هو الهدف الأول والأخير, حسب ظنهم يمثل الطريق الى السلطة دربا وحيد الاتجاه , فمن يصعد لاينزل , وأول مهمات الصاعد هي القضاء على السلم الذي صعد بواسطته , أي الغاء الانتخابات الدورية , صعدت حماس عام ٢٠٠٦-٢٠٠٧ على سلم انتخابات ليس لها ان تتكرر ولم تتكرر طوال تلك الفترة من عام ٢٠٠٧ حتى الآن , فالعقيدة لاترى في الانتخابات سوى العقم والكفر, ولكنها تتقبل نتائج انتخابات لمرة واحدة , اي للصعود وليس للنزول .
لايستمد الحاكم باسم الله شرعيته من الصنادبق , انما من السماء ,ولا يشعر هؤلاء بأي شكل من التناقض في الغائهم للسلم الذي صعدوا بواسطته الى كرسي السلطة , انهم يؤمنون بمفهوم “التمكن ” , كل وسيلة تمكنهم من الصعود مشروعة حتى الديموقراطية , التي يرفضوها مبدئيا , تعاني تصوراتهم عن اسلوب الحياة العصرية من نقص في الخيال الحكومي وفي فهم ماهية الدولة , اضافة الى اعتبار الماضي صالحا للحاضر بغض النظر عن نوعية هذا الماضي , الذي يحمى بالمقدس وبمفهوم لاريب فيه , انهم يقرؤون التاريخ لاهوتيا مما يجعل اي حوار مع الماضي أمرا شبه مستحيل, لافائدة من الحوار اللاهوتي المؤسس على خلفيات دينية مقدسة جامدة !
Post Views: 112