وحش الشريعة المفترس …..

جورج  بنا  , مها بيطار :

5 عوامل ترسخ صناعة الإرهاب- خطوات التکفیریین في تکوین البيٸة الحاضنة للتطرف - موقع التنوير     لاشك في الأهمية الكبيرة لقوانين الأحوال الشخصية بالنسبة للمواطن , اهمية هذه القوانين تفوق اهمية القوانين المتعلقة بالسياسة الخارجية او بالأوقاف او الاقتصاد او السياحة أو غير ذلك , هنا يجب التأكيد بأن الأصل في قوانين الأحوال الشخصية كان دستور 1953 , والأصل في دستور 1953 كان دستور عام 1917 العثماني , كل التعديلات والتطويرات التي حدثت بعد ذلك مثلا عام 2010 لم تكن الجيدة منها كافية , والسيئة منها كانت مدمرة او كارثية .
بدلا    من   قانون   احوال   شخصية   يطبق  على  الجميع ,  تمت   طيفنتة    وسلم   تنظيم   الأحوال   الشخصية    للطوائف   المختلفة ,  وبذلك اصبح في سوريا عشرات من قوانين الأحوال الشخصية, وتحولت تقاليد وعادات رجال الدين   ونزواتهم الى احكام وقواعد تتم   بها   ادارة  وتنظيم  اهم مايخص الانسان من زواج وتكوين اسرة  وغير   ذلك , على   سبيل   المثال   أصبح  لحوالي ١٥٠   عبري محكمة خاصة   بهم  , بالنسبة   للمسيحيين استلم   رجال   الدين   امر   البت   في  قضايا  الأحوال   الشخصية   , كل   رجل   دين  على  كيفه ! ,  اذ   لاوجود للتشريع   في   دين   هؤلاء   ,  لربما كان   ذلك بمثابة   نعمة   ,  اذ الأسوء   من   ذلك  كان   وجود  تشريع    في الدين  اي   في  الملل   المحمدية   التي   تعد   بالعشرات   او  حتى   بالمئات     , هنا  ابتعدت الحياة وتنظيمها عن القوانين الوضعية ,والقي بها في حضن النزواتية والغوغائية والتشريعات الحجرية العتيقة , التي كانت حتى قبل 1400 منافية لمنطق ذلك الزمن القديم وحتى للقيم الأخلاقية في ذلك الزمن.
بالنسبة    للمؤمنين    تحولت    الشريعة    الى   مايشبه    القانون    الوضعي  ولكن   بدون   تغير  او   تطور , اي الى تشريعات جامدة عمرها  ١٤٤٠    سنة ,    أي عودة الى الوراء بمعيار الزمان من حوالي ١٤٤٠  سنة , وبذلك عادت التشريعات الى الذكورية الفجة الرجعية , التي كانت في طريقها الى الموت , التقطت ووضعت على مكنة الانعاش , وبعد الانعاش تحول وحش التشريع الى النهش والافتراس وتكريس الذكورية واذلال الانثى  , التي بقيت كأنثى كائنا بيولوجيا , ولم يكن بامكانها في ظل الشريعة من التحول الى امرأة اي الى مخلوق اجتماعي .
تشترط   الشريعة  بخصوص المؤمنين  ان يتم عقد الزواج بحضور شهود مؤمنين  عاقلين أي حضور شاهدين    من   الجنس   المذكر , او رجل وامرأتين او اربعة نساء , لاحاجة هنا الى الكثير من الذكاء لنفهم ان شهادة المرأة تعتبر مساوية لنصف شهادة الرجل , حتى بعض التعديلات الطفيفة لاحقا لم تؤثر على معادلة شهادة الرجل المساوية في مصداقيتها لشهادة امرأتين , كل ذلك بالرغم ومع العلم بوجود قاضيات منذ فترة لابأس بها , اليس من المنطقي في هذه الحالة ان تكون المرأة القاضية معادلة في   احكامها   وصلاحياتها لنصف القاضي المذكر حسب الشريعة ,   قبل   اسابيع  تم   التصويب    باسلمة   الأحكام   والقواعد القضائية  حسب   الشريعة   وطلب    من    القاضيات   تسليم الاضبارات   التي   كانت   بحوزتهم  الى   قضاة  من   الجندر   الذكوري  ,   اي الغيت   امكانية عمل   المرأة  كقاضية ,    لو حكمت    الجولانية  وهيئة  التحرير    أمريكا   لكان   من   غير الممكن ان   تترشج  كامالا   هاريس   للانتخابات  الرئاسية, ولم   يكن  بامكانها   أن  ترأس     المحكمة   الأمريكية   العليا كما   كانت   وظيفتها   قبل   انتخابها   كنائبة للرئيس   بايدن  .
لاتزال اركان المهزلة المذلة قائمة حتى بعد مئة عام من ولادة الدولة السورية , ولا يزال تنظيم الأسرة قابعا في السجن العثماني -البدوي   القريشي   , لايزال الطلاق بالثلاثة قائما ,ولا يزال تعدد الزوجات الذي الغي في تركيا  وتونس وباكستان  وشرق    سوريا   قائما , ولا تزال هناك مادة تنص على حرمة الزواج والنسب بسبب الرضاع , ولا تزال هناك تفاصيل تهريجية بخصوص    ارضاع   الكبير , ولايزال زواج المؤمنة  بغير المؤمن  باطلا الى أن يشهر الطرف الغير مؤمن اسلامه,وعلى   منوال الشريعة لايزال هناك شرط المهر المتوحش , والمصر على تحويل زواج الحب الى نخاسة والى نكاح بأجور , أي الى كرخانة , ولا يزال اعتبار المرأة قاصرة عن تمثيل نفسها في بازار عقد النكاح , الذكر يمثل نفسه والمرأة تمثل من قبل وكيل , لايزال عمل المراة خارج البيت يتطلب موافقة الذكر , بينما عمل الذكر لايتطلب موافقة المرأة , قائمة   العار  أطول مما ذكر بدرجات .
تمثل تطورات قانون الأحوال الشخصية باتجاه المزيد من    الشريعة والقليل من القانون المدني تراجعا وتنكصا حضاريا كان منتظرا في اطار صحوة النزاع الأخير   الاخونجية  ,تمثلت  صحوة  النزاع   الأخير   بهبة   تسليم   قيادة  البلاد   للجولاني, الممثل    حقيقة   لاستمرارية   الأسدية في   حضن   آخر , تغير   الحضن   لايعني    تغير العقل  والوجدان   الطائفي ,  الذي   لايستقيم  مع   مجتمع   الدولة  , لانرى  مستقبلا لقانون  الأحوال   الشخصية   الحالي    ولا   مستقبلا   للتغييرات  التي    ستطرأ   عليه   على   يد   الجولانية   الاخونجية  , ولا مستقبلا للمادة الخاصىة بدين الدولة ودين رئيس الدولة ولا مستقبلا لاستمرار اعتبار الشريعة احد مصادر القانون الرئيسية , ولامستقبلا للتعليم الديني في المدارس , ولا مستقبل لوحوش   الاخونج ولا مستقبل لوحش الشريعة. 
  يعود   الجزم بأنه   لامستقبل   لبضاعة   الطائفية مهما  كان    مصدرها   ومهما  كان   هدفها ومهما   كان   حاضنها   الى   الواقع   التاريخي  , والى    الدروس   التي   تتعلمها   البشرية   باستمرار  , تستثنى   العقول   العربية   البدوية   من   التعلم  والاستفادة  من   التجارب ,لكون    هذه  العقول   متحجرة,  تحجر   العقول   البدوية  كان نتيجة لكون    الصحراء   متحجرة   لايمكن   تغييرها ,   الصحراء  مهيمنة    على البدوي , لذا   تم   تصحيره المعروف   تحت   اسم   تصحير   العقل  ,  الذي يتميز  بالعديد   من   الخواص ,  التي   اطلق   عليها  اسم  الجاهلية  , والجاهلية جاهليتان  ,   الاولى   جاهلية   ماقبل   الدعوة  والثانية  جاهلية  مابعد   الدعوة  , لا  فرق   بين   الجاهليتين   سوى   بالتسميات والتلاعب   اللغوي   اللفظي بالكلمات  كتهجين الغزو  الى   فتح  والنهب   الى  غنائم   حرب  والسبي  الى  ملك اليمين والأتاوة   التي   على   الضعيف   دفعها   تحولت   الى  جزية  تدفع   والدافع   صاغر   وعن   يد  ,القائمة    أطول  مما   ذكر بدرجات.
كانت   الدعوة  بصدد   تحقيق   مفهوم   “الأمة”,  الا   أنها  فشلت    في   مؤتمر   سقيفة بني   ساعدة   وبقي    مفهوم ”  القبيلة ” مهيمنا  الى   هذه   اللحظة ,  لقد  حولت  القبلية    البدوية القريشية أهل   بلاد    الشام من   الحضر  الى  بدو  بدون  صحراء !,القبيلة  البدوية  توحيدية   بطبيعتها   ,  هيمنة   القبلية   على     الهندسة   الدينية   دفعت   الدين   الى تبني   دعوة ”  التوحيد”  الملائمة   لبنية   القبيلة   المتمثلة بزعيم   القبيلة   الواحد ,  وهكذا   انتقلت   هذه   الهندسة   الى  بلاد   الشام  , والانتقال   تجلى    بانتشار   الزعامات   الجمهورية  أوالملكية   او   الأميرية في   بلاد   الشام   اي   الديكتاتوريات  ,  التي   من  طبيعتها  ممارسة   التعسف   والجور   واحتقار   الانسان والعدالة   ,    اصطدمت   التوحيدية   بمجتمعات  التعددية   في   بلاد   الشام ,  والتعددية كانت    من   طبيعة    التقدم ومن  طبيعة   أهل   بلاد   الشام , تبدون   أهل   بلاد   الشام   بعد   ١٠٠٠  سنة   من   هيمنة   البدويىة  قاد   الى  ولادة   العديد   من   الاشكاليات بين   أهل   بلاد   الشام  , تعدديتهم   اصطدمت   مع   مفهوم   التوحيد   البدوي   الديني   ,  مما  تسبب   بخلل   اجتماعي      تجلى   بالخلافات   حتى   الحربية منها   بين  فئات   لم  تعد   تجيد فنون     العيش   في   التعددية ,  هنا   تحول   أهل   بلاد    الشام الى   قبائل    وعشائر    بدون   صحراء   ,  فالتوحيد فكرة   حملها    عرب   الصحراء   ونشروها   بمساعدة   الدين, ولحد   الآن  لاتزال   الاشكالية الناتجة   عن   تصادم ثقافة  التعددية    المحلية   الشامية   مع   مفاهيم   ثقافة   البداوة   التوحيدية   المتثلة   بالعديد   من   الخصائص ,مثل    مفهوم    الحلال  والحرام   المترافق     دائما  مع   العنف  , ثم   تقسيم   الجغرافيا   على   قاعدة  دار   الحرب  ودار   الاسلام , ثم   الايمان    بالواحد   الأحد   الملزم   للجميع   والغير ممكن   من   الجميع  , ثم   الولاء  والبراء  ,  الذي   الغى   الأطان والغى    الولاء   والوفاء   للوطن.
ففي   بلاد  الشام كان   هناك   تعدد  آلهة,وكان  اهل  بلاد  الشام في ذلك   الوقت بنسبة  ٨٠٪ من أهل   الكتاب, وبالرغم    من   ذلك     لم   تكن   التعددية   أمرا   مستغربا   أو مستحيلا  أو   صداميا ,  فالكتابية   لا  تتناقض  مع   التعددية    ,  لأن  التعددية   من  طبيعتها .
لم  ينته   الجدل   بين   الشريعة  والتاريخ ,  فالتاريخ  يعترف بوجود    شرائع   مختلفة  تبعا للبيئة   الجغرافية   وللنمط   الاجتماعي   المختلف   من    منطقة   لأخرى ,  تلك   التنوعات  لاترضي   الاله   الواحد ,  الذي   يفرض   نمطا  معينا موصوفا    في    صفحات  كتابه   المؤلف  من   ٦٠٠  صفحة , تعلقت   المشكلة   هنا   بالتغير والتطور   الذي    حصل   دون   استئذان   في   حياة  الفرد  وحياة   المجتمع   ,  وهكذا  ولدت   ظروف   واشكاليات   لم   يوجد    لها   حلا   الهيا   في   الصفحات   الستمئة   ,  هنا ادعى   الاجتهاد   الفقهي انه   وجد   لتلك   الاشكاليات   حلولا متوافقة  مع   اصول   الشريعة ,  والحلول   كانت  بمحاولة تغيير    النمط   الاجتماعي خلفيا   ليستقيم   مع    اصول   الشريعة  ,وليس تطوير  الشريعة  لتتناسب مع  النمط   الاجتماعي   الجديد      ,كمثال   عن   ذلك اللباس  الشرعي  الجهادي   الداعشي ,   ثم   اطلاق   اللحى وتزايد   فرض   الحجاب الخ ,  وتسمية   بعض   البنوك   باسم   القرض   الحسن  , والادعاء   بأن     هذا   البنك    يعمل   حسب   نصوص   الشريعة  وبدون     فوائد   على   القروض   الحسنة   ,  لكن  تبين   عمليا   كذب  ذلك    الادعاء  ,  فبدلا   من    مستوى   الفائدة    المعروف   كانت    فوائد   القرض   الحسن(لبنان)   فاحشة,وللتمويه  تم   اللجوء الى  الدجل والكذب والغش والفساد ,  هكذا   فشلوا بالمجمل ,  اذ  لم   يكن  من  الممكن  تغير  النمط  الاجتماعي    لانسان   القرن   الحادي  والعشرين ولم   يتمكنوا   من  تطوير    او   اصلاح  او  تصحيج    أحكام    الكتاب   العزيز  لأنها   مقدسة,   يتبع …الشريعة  والقانون   الوضعي!!
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *