النمطية ومقتل الابداع , أصنام لفظية …
ممدوح بيطار ,سيريانو :
لدى الاخوان حججا ومبررات نمطية, تستخدمها الأغلبية العظمى منهم , فمن أجل الترويج لمفاهيمهم وتصرفاتهم , مثل مفهوم الفتوحات والغزو ,يوظفون مقولة غوستاف لو بون “لايعرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب” ,لا نريد مناقشة صحة الاقتباس من لو بون , نفترض بأن الاقتباس صحيح , الا أنه بالرغم من ذلك تلفيقة كبيرة .
للتلفيق عدة اشكال , منها تلفيقة جمع الضديات مع بعضها البعض , وبالتالي صناعة ما تسمى ” الأصنام اللفظية ” , مثل صنم لو بون بخصوص رحمة الفتوحات , فكيف يمكن أن تكون سرقة وقتل الغير رحمة ؟, لذلك لايجوز جمع الفتح مع الرحمة, الفتوحات ليست سوى نهب الغير واذلاله بتطبيقات العهدة العمرية وبدفع الجزية عن يد وهو صاغر وتملك أرضه وبلاده قسرا , نظرا لكون الفتوحات سرقة ثم تملك بالقوة , لذا منعت عصبة الأمم استخدام هذا المفهوم بعد الحرب العالمية الأولى , الفاتح يأتي ويتملك ولا يذهب , وملكه للأر ض المفتوحة حلالا زلالا له كما جاء في الكتاب العزيز ” فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا” , لا وجود لشعب يقدم وطنه للغرباء طوعا ,لاوجود لغزوة سلمية , لذا تمثل الفتوحات اعتداءا منكرا على حقوق الانسان , لذا تم المنع ورفض كل ماينتج عن الفتوحات .
سلبت المقولة التي نسبت للو بون ألباب البعض ,لأنهم اعتبروها شهادة حسن سلوك , بعض العرب ظن فعلا بأن فتوحاتهم كانت رحمة للبشر , وهذا اليقين منعهم من المراجعة والنقد , وهم اصلا رافضون للمراجعة والنقد الذاتي , وبذلك اختلفوا جدا عن المفكر أنطون سعادة , الذي تأثر بشدة بالفيلسوف الفينيقي ورائد الرواقية زينون , الذي تبنى رؤية انسانية عادلة يسيطر فيها العقل والفكر , قال سعادة ” لقد شاهد آباؤنا الفاتحين , وساروا على اعقابهم , أما نحن فسنضع حدا ” للفتوحات “ وتمجيدها .
لم يولد من رحم بدوية من سأل عن وضع الشعوب التي فتحت أراضيها , وكم قتل منهم , وكيف أصبحت حقوقهم ! وأين الحق بالفتوحات وكيف يمكن تبربيرها ؟ أول كاتب طرح هذه الأسئلة كان حسام عيتاني , لقد كان سعادة , حسب علمنا , من القلائل الذين رفضوا الفتوحات وممارساتها, فمن يرفض اعتداء الغير , عليه ان لايعتدي على الغير .
عموما لايقرأ الناس في هذه المنطقة وسطيا أكثر من صفحتين سنويا, مقارنة مع قراءة أكثر من ٥٠ كتاب من قبل الاسرائيلي , لايفهموا ما يقرؤوه لنقص في التعامل مع القراءة وفي الثقافة وفي المقدرة الأبحدية( ٢٨٠ مليون امي عربي) , النقص ليس في الذكاء , انما في حرية وحركة عقل مسلوب الارادة من القطعيات والآيات , الاخونجي لايظن ولا يرجح , فما يعرفه هو الحقيقة المطلقة التي لاتقبل الطعن , لاتجد حقائقهم المطلقة مصدرا لها في القناعة والعقل , انما في النقل الأعمى .
النمطية الثانية كانت العلاقة بين الترقي والتحجب أو الترقي والتعري , فمهما كان لباس السيدة محتشما , يعتبر تعريا , ان لم يتوافق مع مايسمى اللباس الشرعي الذي يراد فرضه بالترهيب , وهكذا رأى البعض المرحومة زوجة المرحوم شكري القوتلي عارية كما خلقها ربها , لأنها لم تتحجب, يقولون التعري ليس رقي ! , ولو كان رقي لكانت الحيوانات ومنها الماعز أرقى من البشر .
لافائدة من التأكيد على أن رفض الحجاب والتحجب لايعود الى رفض الزي التي تريده المرأة , التي يمكنها ارتداء ماتشاء , فجوهر الأمر هو “الفرض “, أي فرض الحجاب بوسائل الترهيب والترغيب بالجنة والنار وبعقوبة الاعدام الاجتماعي , في حال التمرد على أحكام اللباس المفروضة(الزي الشرعي) , والتي تحدد أجزاء الجسد , التي لايشملها التستر مثل اليدين , لا يفيد القول بأنه ليس من المنطقي أو الموضوعي تشبيه المرأة بالعنزة , فالمرأة ليست عنزة , ولا علاقة لأمر ” الفرض ” بالحجاب فقط , فالمخلوق البشري يبقى في مرحلة الطفولة عندما يفرض عليه عقلا ينوب عن عقله ومبدأ لاعلاقة له بميوله وقناعته , ولباسا يصطدم مع ذوقه , ومأكلا ومشربا لايتناسب مع مذاقه , واتجاها حياتيا لاينبع من وجدانه وحاجاته , عندها يتقزم فكره لأنه لم يفكر , ويضمر عقله لأن العقل الذي لايعمل يضمر , ويتحول الى مخلوق بدون شخصية مستقلة متمايزة عن غيرها , أي يتحول الى فرد في القطيع أو السرب , مسحوق داخليا وعاجز خارجيا , مقتول المبادرة , ومنقوص الارادة , ومشلول المغامرة, مسير بشكل مطلق , وليس مخير بشيئ , عندها يتحول هذا الانسان الى ” شيئ ” , الى آلة تنفذ ارادات الغير .
يعتبر المخلوق الناقص دينه كامل للمعاوضة عن النقص او بسبب عقدة النقص , الدين المتاهي مع الفرد والملتبس به , والذي ينوب عن عقل الفرد , يقزم الفرد الى حد الالغاء , كلما كبر طغيان الدين في حياة الانسان , تقزم وتلاشى هذا الانسان , وتحول الى مستعمرة دينية وسجن أبدي , ليس للانسان في الأسر الديني أن يقرر , لذلك لاحاجة له أن يفكر , وظيفيا مشلول الى حد الموت , مسموح له فقط أن يطيع وأن ينصاع .
لاتقتصر النمطيات على مادة الفتوحات ومادة المرأة والعنزة , هناك عددا أكبر من النمطيات , التي تحطم الانسان وتعيقه عن الابداع ,ماذكرنا كان بعض الأمثلة فقط .
التفكير اللانمطي هو التفكير المبدع , هو نشاط عقلي هادف , هو ارادة التوصل الى نواتج جديدة غير معروفة …. اختراعات مثلا , تغني حياة الانسان بالحيوية والتطور والتقدم !, ينقرض العقل عندما يعتمد ويستسلم للافكار الجاهزة النمطية المؤسسة على مرض الايمان المطلق وبالتالي يستسلم للتقليد النمطي , اللانمطية هي الابداع التعبيري والعملي الذي يعني افكارا جديدة ومنتجات جديدة , هي الابداع التجديدي والابداع التخيلي , الممثل لقدرة الانسان على خرق مفهوم أو فرضية او نظرية معمول بها ,تمثل اللانمطية مقدرة الانسان على الثورة,وهذا هو الفرق بين الانسان والصنم , الصنم لايثور !