ممدوح بيطار , ربا منصور :
تعرف مجتمعات العرب نوعا من الثقافة الجامدة , التي تنتقل من جيل لآخربشكلها القديم وبدون مراجعة او تحليل او تدقيق أو تطوير , وكأن الشعوب مصابة بالعقم باستثناء التكاثروالمزيد من الأولاد , يبدو وكأن الشعوب مكتفية بما عندها من ثقافة ومعرفة بين دفتي كتاب ال ٦٠٠ صفحة , فالصفحات تقدم لكل مايريد ان كان سلما أو حربا,تواضعا أو غرورا صدقا او كذبا انسنة أو توحشا الخ , اي تمثل تلك الصفحات وعاء تجميع , محتوى هذا الوعاء ثابت لايتغير,الثبات ورفض التغيير محمي بخاصة المقدس , الممثلة لهذه الذات ,اذن يتم هنا توريث تلك الثقافة أي تناسلها ومرافقتها لكل جيل على مر العصور .
يعني المقدس والثبات ورفض التغير هيمنة التقليدية , التي تعني بدورها نفي عملية التجديد للقيم والمفاهيم , التي سادت يوما ما وفي ظروف زمانية ومكانية مرتبطة بالبيئة الطبيعية والاجتماعية , اي هيمنة الموروث الجيلي اي ما يسمى الثقافة المتناسلة المنقولة وليست المتكاثرة او المتغيرة بالتجديد .
تنتقل الثقافة المتناسلة من جيل لآخر محمولة على برمجة مؤسسة على الاعتياد وعلى مازرع في لاشعور الانسان من قيم دينية رافضة لما تسمى “البدع” اي الجديد , المقدس يرى بالجديد ضلالة وفي الضلالة زندقة , هؤلاء يشعرون او يتوهمون بأنهم يتصرفون بهذا الخصوص بمحض ارادتهم وكامل حريتهم , فالثقافة المتناسلة اصبحت جزء متعضي في وجدانهم , لايشعرون بأن شيئا ما فرض عليهم ,لأنهم هكذا مبرمجون , وهنا تكمن مشكلة الثقافة المتناسلة, التي لايتم ادراكها كمشكلة , انما كحالة طبيعية حتى غريزية فطرية مستولية على الارادة لابل ممثلة لهذه الارادة , التي لاريب بها,ولا ريب في انتقالها من جيل لآخر على اعتبارأنه لكل الأجيال نفس السياق ,ونفس السياق يعني نفس الثقافة المتناسلة , بدون اي تعديل أو تجاوز او المقدرة على الخروج عنها بسبب يقينيتها الاجتماعية الصارمة, اي أنها صيرورة اجتماعية حتمية بديهية تلقائية يمكن القول أنها متيبسة كالشجرة المتيبسة , التي لم تعد شجرة وكهيكل الانسان العظمي , الذي لايعتبر انسانا , تموت الشجرة بتيبسها ويموت الانسان بتحوله الى هيكل عظمي, يموت الانسان عند برمجته ببرنامج واحد ابدي , يفقده المقدرة على تقبل برمجة أخرى قد تكون معاكسة ,البرمجة الأبدية جمود لايستقيم مع كون الانسان لايزال حيا .
تمثل الثقافة المتناسلة تدهورا او توقفا للحياة على نمطية معينة , كونها نمطية قديمة جدا يسمح بالقول انها اسطورية خرافية معرقلة لأي ثورة أو تغيير يحتاجه الحاضر او المستقبل , ثقافة مشلولة كالجماعات التي تعيش في هذه المنطقة , التي يدافع تدينها لحد الآن عن الوضع الشللي , التي تعيش به تلك الجماعات الغير قادرة على التقدم او تقديم أي شيئ ايجابي للانسانية, سوى تقديم الملاين من اللاجئين ,الذي لايمثل اسهاما في تقدم البشرية , بل خلقا لاشكالية كبيرة للانسانية , اشكالية زعزعت استقرار العديد من المجتمعات بأشكال مختلفة سياسية اجتماعية واقتصادية .
يقترن اعتراف البعض بكارثية الثقافة المتناسلة بالعديد من التحذيرات المعبرة عن حالات انفصامية مثل التحذير من الحاق الضرر بأصالة هوية الوجود الاجتماعي والمورويث الشعبي , يجب التخلص من الثقافة المتناسلة وفي نفس الوقت يجب عدم التفريط بأصالة الهوية ويجب التصدي لاغراءات الحداثة والعصرنة وتجنب الغريب عن المألوف , الانفصاميون يريدون الغاء الثقافة المتناسلة , وفي نفس الوقت يحذرون من الابتعاد عن الموروث الديني المؤسس الرئيسي للثقافة المتناسلة , من لايريد بقاء الثقافة المتناسلة يحذر من استلاب الحداثة لمعالم الهوية التراثية, هناك اضافة الى ذلك العديد من الأمثلة الأخرى المبرهنة عن حالة الفصام, التي تجمع الضديات مع بعضها البعض بشكل جاهل لواقع الحياة .
يسود نمط من الثّقافة في المجتمعات الشرقية , التي تنتقل من جيل إلى جيل , ولا تخضع عادة لعمليات النقد والمراجعة والتمحيص والتحليل ومن ثم التدقيق والفرز,للخروج منها والدخول في عمليات حدائية ضرورية للنهضات والوثبات الفكرية والاجتماعية المأمولة والضرورية , تتجلى هذه الثقافة من خلال سلوكيات وسيكولوجيات ومسلكيات اجتماعية وثقافية وسياسية للأفراد والمجموعات البشرية , وتأخذ طابع التقليدية والكلاسيكية بعيداً عن عمليات التجديد الضرورية للقيم والمفاهيم والتصورات والأفكار السائدة والناتجة عن ظروف زمانية ومكانية مرتبطة بالبيئتين الطبيعية والاجتماعية.