ممدوح بيطار, سمير صادق :
كيف تولد المرأة ؟, هل تولد المرأة امرأة ؟ على هذا السؤال اجابت سيمون دي بوفوار بقولها المرأة تولد انثى , ولكنها تصبح امرأة , في بعض المجتمعات تولد انثى وتبفى انثى , وبوضع اجتماعي ادنى من وضع الرجل بدرجات , دونية الانثى بعدم تحولها الى امرأة كان نتيجة بديهية حتمية.
هناك تباين بين النوع الجنسي اي الذكورية -الانثوية وبين النوع الاجتماعي اي الرجولة – الامرأة , الذكورة البيولوجية مختلفة عن الرجولة الاجتماعية ,ولا نظن ان العقل العربي الشعبي عموما يدرك ذلك ,ولا نعرف تماما ان كان هناك تمايز لغوي , اي هل تميز اللغة بدقة بين مفهوم الذكورة ومفهوم الرجولة , وهل تميز الثقافة العامة بين الانثى الموازية للذكر وبين المرأة الموازية للرجل ,وهل يميز العموم بين الانثى البيولوجية وبين المرأة الاجتماعية , أي بين الأنثى والمرأة ؟,
يمثل التباين بين الذكر والرجل الكثير من الارتقاء من المرتبة الحيوانية الغريزية البدائية وبين الرجل الاجتماعي الفاضل المهذب لغرائزه , وبالتالي تتحول الغرائز الى صيغة مستقيمة مع حياة اجتماعية صحيحة ومتقدمة وصالحة .
لا تميز الثقافة الاجتماعية لشعوب هذه المنطقة بين الأنثى البيولوجية وبين المرأة الاجتماعية , الانثى تبقى انثى , اي مخلوق ناقص اجتماعيا , والنقص الاجتماعي , أي فشل التحول الى امرأة , يوازي المكسب الاجتماعي بتحول الذكر الى رجل , أي الرجولة عند الذكور ,بقي المخلوق الانثوي كائنا بيولوجيا ناقص اجتماعيا وبالتالي دوني, فالانثى ملحق بالفرح , بينما القضيب ملحق بالرجل , الانثى فرج بينما الرجل الاجتماعي ليس قضيب فحسب ,فتطور الذكر الى رجل , اعطاه مقاما عاليا وامتيازات اجتماعية , بينما بقيت الانثى انثى اي مخلوق بيولوجي بدون مقام او قيمة اجتماعية عالية .
الرجولة صفة متفوقة على الذكورية , والمرأة صفة متفوقة على الأنوثية , الانثى التي لم تتحول في مجتمعات هذه المنطقة الى امرأة, بقيت فقاسة انجاب وهدف نكاحي , ناقصة اجتماعيا , اي بالمعنى الاقدم ناقصة عقل ودين , العقل العربي لايعي عواقب ذلك !.
الرجولة المنبثقة من الذكورة كمتمم اجتماعي لمكون بيولوجي, لاتحترم المرأة لكونها بقيت انثى بدون مهمة اجتماعية , ومن ابقاها كأنثى كانت الذكورية التراثية المحتضنة من قبل المعتقد الديني ,دونية الأنثى ليست حالة حتمية لأنوثتها البيولوجية , بل نتيجة لقرار اجتماعي واعتقادي مقدس يبقي الانثى انثى ويمنع تحولها الى امرأة , أي تحولها من النوع الجنسي (ذكورة-انوثة) الى النوع الاجتماعي (رجل – امرأة ).
يبدو أن العقل العربي المذهبي يتقبل الارتقاء من الذكورة المعطاة بيولوجيا الى الرجولة المكتسبة اجتماعيا , اي الارتقاء من حالة حيوانية الى حالة انسانية فاضلة , بينما يرفض تحولا مشابها بالنسبة للأنثى , أي التطور من انثى الى امرأة , وما هي الانثى في نهاية المطاف سوى مخلوق بوظائف بيولوجية كالانجاب والتناسل ,هل الأمر هنا مجرد فقر لغوي ؟ , أو انه فقر بنياني في العقل ؟, انه بنياني بامتياز , فلا وجود في العقل العربي لمقولة سيمون دي بوفوار من تحول الانثى الى امرأة , المرأة تولد انثى وتبقى انثى مجردة من امتيازات الرجل المتحول من ذكر بيولوجي الى رجل اجتماعي .
يبدو ان الذكر-الرجل العربي يستصعب التخلص من اعتبار الأنوثة البيولوجية نهاية المطاف بالنسبة للجنس الانثوي , والى اي حد هو مستعد لبناء هويات جنسية لاتجعل من الاختلاف الجنسي ذريعة للتمايز الاجتماعي بين الجنسين ؟, مفهوم الانثى تبقى انثى منغرس في العقول بعمق , وفي وجه اقتلاعه يقف المعتقد المقدس الذكوري عائقا وممانعا ومقاوما.
من أهم المعوقات في تطور الانثى الى امرأة في المجتمعات العربية ,كانت علاقة الواقع الاجتماعي بالواقع الاقتصادي المعاش ,واحتكار الذكر للعضلات , التي تحتاجها البنيات الاقتصادية الانتاجية البدائية , التطور الذي ترافق مع انخفاض قيمة العضل وارتفاع قيمة العقل في المجتمعات المتطورة علميا دفع هذه المجتمعات الى تطوير المنظومات الأخلاقية بكل ما فيها من قيم وسلوك اجتماعي وفكري باتجاه خلق استقلالية اقتصادية للمرأة , مما قاد الى تحررها وتحريرها , عدم وجود الأمان والاستقلال الاقتصادي بالنسبة للمرأة اوقعها في مطب الخوف والتبعية , الذي تحول الى ثقافة اجتماعية ثابتة ومتجذرة في المجتمع الذكوري الأبوي.
وقفت النصوص عائقا أمام استقلالية المرأة , وما هي دلالات ومعنى “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم “؟ هذا يعني ان الرجل رأس المرأة وحاكمها والمسؤول عن تأديبها عند اعوجاجها وعندما يعتقد انها أخطأت , القوامة هي ولاية الأمر , وبها يشترط القوة البدنية والمالية , والقوامة حق خالص للرجل دون المرأة ,ولا يمكن أن تكون المرأة قوامة على الرجل , حتى لو تكفلت بالانفاق على الاسرة , وان حصل وأنفقت يعتبر ذلك من باب الاحسان منها لا أكثر, يتكون المجتمع المتأخر من اناث وذكور وليس من رجال ونساء!