ممدوح بيطار , ربا منصور :
من تمظهرات حساسية الطائفة العلوية تجاه الاخونج السياسي نذكر عدم وجود اي تحالف أو اتفاق بين الطائفة وبين الاخونج بالمطلق , ولهذه الحساسية العديد من الأسباب التاريخية التي ظهر معظمها في زمن الانحطاط العباسي, ثم في فتاوى الغزالي وابن تيمية وغيرهم , التي اجازت استباحة دماء افراد هذه الطائفة , اغلب الظن انه كان لتلك الفتاوى خلفية سياسية غلفت بغلاف ديني , لايتسع المجال هنا لبحث القضية الدينية -السياسية للعلويين مع الفريق الآخر , الا أن الرفض المتبادل كان عميقا في التاريخ , ولكن بعض جزئيات ذلك الرفض المتبادل ما هو معاصر خاصة من جهة الاخونج , فالاخونجية عموما لم يتمكنوا من تجاوز الماضي , اذ بقوا سجناء في مواخيره واستمروا بالاستثمار في التاريخ القديم والافلاس في الحاضر , الذي لايمكن شرائه بعملة الماضي , بقي الأمر على اساسه العصبوي العدائي الانغلاقي وعلى ثقافة التنكر للهزائم التي حلت بالاخوان وتحميل غيرهم المسؤولية ,بقي الاخونج على استعلائه وعلى الظن بأنه وريث لابل الممثل الوحيد لخير امة وللفرقة الناجية , التي تحدث عنها ابن عبد الله ولم يحددها بالاسم .
لاشك بأن الطائفة , ونفضل هنا القول “العلويين ” , لأن موضوع “الطائفة ” مختلف جدا عن نوعية الانتماء الديني , لكي تستحق مجموعة دينية اسم “طائفة” , لابد لها من مشروع سياسي , لم يكن للعلويين في بداية القرن العشرين مشروعا سياسيا , لأنهم كانوا بعيدون عن مؤسسات الدولة بسبب ضعف المؤهلات والخبرات , التي احتكرتها طبقة بورجوازية المدن ,عموما لم تكن في سوريا دولة للجميع , وقد تطورت سوريا باتجاه معاكس للتحول الى دولة للجميع , والتطور بهذا الاتجاه لم يتغير حتى هذه اللحظة ,لايستحق الكيان السوري المسمى ” دولة ” هذا الاسم , لأن كل شروط الدولة ال ١٢ المعتمدة من قبل الأمم المتحدة لم تتوفر في الكيان السوري , الذي لايختلف عن بقية كيانات المنطقة, التي لاتمثل دولا بالمعنى السياسي- الاجتماعي لمفردة “دولة” .
تغير الوضع في النصف الثاني من القرن العشرين , وتغير الوعي الاجتماعي وتغيرت تشكيلة الجيش , التي اعتمدت على الفقراء , اي على العلويين بشكل رئيسي , نفس الآلية لوحظت بخصوص تشكيلة جيش المشرق الفرنسي, حيث كانت غالبية جنوده من العلويين , تغيرت النظرة الى الاقطاع , الذي ولد وترعرع أيام حكم العثمانيين , هنا بلغ تكاثر العلويين في الجيش اقصاه , لذلك كان من المنتظر تمشيا مع ثقافة المنطقة المؤسسة على العنف والسيف منذ ١٤٤٠ سنة أن تجلس تلك الفئة المسلحة (الجيش) على رأس هرم السلطة المتحكمة , وبذلك اكتمل مشروع الهيمنة والاستعباد والتحكم , فالمؤمن من اي فريق ديني لاديموقراطي عموما , ثم أن سلطة الخلافة لم تعرف طوال ١٠٠٠ سنة الديموقراطية , ولا يمكن للمؤمن أن يتحول بسهولة الى ديموقراطي , لأن ديموقراطية الشعب معاكسة لتسلط الخالق ونائبه الخليفة على كل شيئ وعلى البشر بالدرجة الأولى , البندقية كانت العامل الرئيسي في صعود العسكر العلوي , وفي ذلك الوقت لم يكن هناك الكثير من المثقفين في الطائفة مثل ادونيس وبدوي الجبل وغيرهم , فالعموم الفقير لم يكن مثقفا , والتسلط يتطلب بالدرجة الأولى الجهل وضيق الأفق , فتفكير المثقف مختلف جدا عن تفكير الفلاح الفقير المعدم .
تكاثر المثقفون مع الوقت وبالتالي تكاثر المعارضون لعسكرة الطائفة , ولكنهم لم يتمكنوا من التأثير على سير الأحداث بشكل فعال , على تطور الأحداث هيمنت العائلية والقبلية العشائرية , التي كانت اقوى حتى من الرتب العسكرية العالية .
لم يتغير الوضع بعد وفاة الأسد حافظ وتوريث الحكم الى ابنه القاصر عقليا بشار , التغير الذي حدث تحت قيادة القاصر بعد عام ٢٠٠٠ كان المزيد من السوء والفساد والتأخر والسجون والفقر واللاجئين , بعد عام ٢٠٠٠ انفرط العقد الاجتماعي اي القانون بشكل كامل , وأصبح الفساد الاسم الجديد للعقد الاجتماعي أي للقانون في عصر الأسد الوريث الجديد بعد عام ٢٠٠٠.
الى جانب فشل القاصر في ادارة البلاد , فشل بعث عفلق والبيطار قبل ذلك في الاستمرار في محاولة تأهيل البعث الى فاعل سياسي , ولكن العسكر ومنظومات الأمن العشرين تقريبا انقضوا بسرعة على هذا البعث واغتالوا البيطار ثم حكموا على عفلق بالاعدام شنقا , بالنسبة لفترة ما قبل عام ٢٠٠٠ تمكن حافظ الأسد من استثمار الجميع في خدمته حسب المقولة التي سمعها منه أحد المرشحين للاستزلام , اما ان تقبل المركز الذي قدمته لك أو أن تقبل حبل المشنقة حول عنقك , وقد كان من المتوفع قبول المركز وتفضيله على حبل المشنقة , عموما كان الأسود متوحشون, وكانوا أكثر توحشا وقسوة مع ابناء طائفتهم ,عند محاولة احد ابناء الطائفة التمرد او ممارسة النقد كما حدث مع طفل السلطة المدلل بشار برهوم , الذي تمرد على الوجود والهيمنة الايرانية مما قاد الى اختفائه في غياهب السجون.
لقد استذوق العديد من ابناء الطائفة العلوية اغلاق الأبواب المدنية في وجوههم وفتح الباب العسكري امامهم على مصراعيه , وفهموا الأمر على أنه نوعا من تفضيلهم على غيرهم , الأمر لم يكن حقيقة تفضيل انما ارغام غير مباشر على الالتحاق بالجيش , الذي أمن لهم الراتب الشهري اضافة الى دخل اضافي غير محدود عن طريق الفساد , بذلك ظن الأسد أنه ضمن ولائهم ,لكنهم حقيقة باعتمادهم على الجيش خسروا كل شيئ وخسر الأسد باعتماده عليهم كل شيئ , فقبل اسابيع اغدقت جهة ما على كبار ضباطهم بالمال لكي ينسحبوا ويفتحوا الطريق لجماعة تحرير الشام , التي وصلت الى دمشق بدون مقاومة تذكر , وبذلك انتهت الأسدية غير مأسوف عليها والى الأبد!