ممدوح بيطار , جورج بنا :

غيرت الحقبة الرأسمالية تلك الاعتبارات باتجاه المساواة بين المرأة والرجل امام القانون وفي الحقوق والواجبات , وبعد الحقبة الرأسمالية كانت هناك حقبات أخرى غيرت بعض جوانب موضوع الاعتبار , كل ذلك مر على الشعوب العربية مرور الكرام , اذ لاتزال هذه الشعوب تسبح في مستنقع اعتبارات مثل اعتبارات خصت العار , ثم اعتبارات خصت الحلال والحرام , الصق مفهوم العار على المرأة مع تركيز على تموضعه في فرجها , الذي حدد اعتبارها شريفة او ليست شريفة , المرأة الشريفة هي العفيفة, بالرغم من كون مفهوم العفة يخص كل انسان , الا أن الذكر لايتهم عادة بخروجه عن قواعد العفة مهما فعل , مع العلم بأن العفة تعني لغويا التقيد بأحكام السماء , وهل يتقيد الرجل دائما بتلك الأحكام ؟, وماذا عن موضوع العفة قبل الدعوة , وهل كان للعفة مكانا في الجاهلية او في الأزمنة الغابرة ؟
تهيمن على العديد من المفاهيم طبقة سميكة وكثيفة من الضباب , يبدوا وكأن قول أرسطو ان “الخشب نار بالقوة ” يطبق على المرأة, لأن احتراق الخشب يولد نار ,المرأة تختذل حسب المفاهنيم المحلية الى جسد , والجسد يختذل الى فرج , الذي تحول الى عار بالقوة كخشب ارسطو , تتموضع الانثى بفطرتها وتكوينها حول الفرج , وتعتبر من ملحقات الفرج , انها جسدا وكيانا فرج يملك جسدا , وليست جسدا بفرج او يملك فرجا, انها بذلك مولودة ومخلوقة بعفة مهددة , اي انها مخلوقة بدون عفة , أنها كائن لا أخلاقي بطبيعته وبالفطرة , لذلك يجب مراقبته والتحكم به والوصاية عليه .
تغوص جماعات هذه المنطقة في أكوام من “الزبالة ” حسب تعبير محمد صالح , ومن أنواع الزبالة او القمامة , تلك الازدواجية التي تصل الى حد انعدام وجود عقول في الرؤوس , يعتبر الفعل الجنسي اللاشرعي , الذي يتطلب مشاركة المرأة الفعلية أو التصورية كما هو الحال في الاستنماء ,عارا يلصق بالمرأة , لابل يشمل عشيرتها أو عائلتها , بينما يوعد الصالحين اي المؤمنين بجنان السماء , التي تقتصر الحياة الأبدية بها بشكل رئيسي على ملذات الذكر الجنسية , لاذكر في الجنة لمذات النساء جنسيا , لابل تعتبر ملذة المرأة الجنسية أمرا قبيحا “قبحها الله “, انها مهانة بالفطرة وعار بالقوة كما يدعون , هذه التصورات تنتج الشتائم المهينة في المجتمع الذكوري المطبوعة بطابع جنسي نسوى لهتك كرامة المرأة المؤهلة للهتك !.
لانعرف حقيقة من اين اتت تلك التصورات والشتائم وما يقابلها من نصوص وآيات لاتختلف عن الشتيمة , لابل أسوء من الشتيمة الشوارعية الغير مقدسة بالطبع ,المفارقة تكمن هنا في كون شتائم النصوص مقدسة , بالرغم من كونها أسوء من شتائم الشوارع , من شتائم النصوص القول ان المرأة ناقصة عقل ودين , كذلك أمر الشهادة وأمر الدية وأمر الضرب والقوامة والحظ ثم اعتبار المرأة متاع للرجل , جرائم الشرف أسوء من شتائم الشوارع, ولا وجود لممارسة أحقر وأبغض من الرجم بتهمة الزنا , اذ أنه لاوجود للزنا , لأن العلاقة الجنسية الطوعية ليست زنا , والعلاقة الجنسية القسرية ليست زنا انما اغتصاب , ومن غير المعروف لدينا ان انثى اغتصبت يوما ما ذكرا , يبقى السؤال من اين أتت الشتيمة المقدسة الشرعية ولماذا خصت هذه الشتيمة “الشوارعية ” جسد المرأة حصرا ؟,اغلب الظن لأنها مؤهلة للاحتقار, تفسد الصلاة كالكلب لمجرد كونها انثى!! .
عموما يمكن القول ان الشتيمة الشرعية -الشوارعية بنيت على افتراض جسد المرأة حاملا لتصور توضع الشرف في جسدها , لابل في فرجها بشكل أدق ,يمكن أيضا القول ان مصدر هذا التصور كانت العادات والتقاليد بالشراكة مع الدين والايمان القديم , بالرغم من كون الفاعل في الحاضر والآن يجب أن يكون من انتاج الحاضر والآن , اي يجب اعتبار القديم فاقد الصلاحية وخارج الخدمة , الا أن الواقع يبرهن على أنه لم يفقد الصلاحية , لأنه يمثل استثمارا مربحا للبعض لذلك بقي فاعلا , اذ هناك في الجماعة او السلطة الدينية فئة مستفيدة من شق الجماعة الى مجموعتين , الأولى فئة العبيد من النساء والثانية كانت فئة المستعبدين من الرجال الذكور,الذين يهيمنون عندئذ على المجتمع الذي يستعبد بعضه البعض الآخر, للمستعبد ذوقا شخصيا جدا بما يخص طريقه الى السعادة , هناك من يشعر بالسعادة بممارسة الجنس في اطار الحب , وهناك من يشعر بالسعادة في اطار ممارسة الجنس قسرا كالاغتصاب على سبيل المثال , تعود الفروق بين الفئتين الى درجة الأنسنة, كلما اقترب المخلوق البشري من الحيونة ارتفع منسوب سعادته بالقسر والاغتصاب , وكلما ارتفع منسوب انسنته اقترب من اللذة الجنسية في اطار الحب , الذي تمثل ممارسة الجنس في اطاره أسمى صوره .
لتبرير وجوب وضع المرأة في خانة الجاريات او الخادمات يجب الحط من مقامها مثلا عن طريق اعتبارها ناقصة عقل ودين ,لامساواة مع الذكر في شهادته ولا في ديته عند قتله , فدية الانثى نصف دية الذكر , ودية الذمية نصف دية المؤمنة , حسابيا تعتبر دية الذمية ربع دية الذكر, تعدد الزوجات شرعي , لذا تصاب قيمة الزوجة بالافلاس والكساد عندالتعدد , كل ذلك تتم شرعنتة والترويح له على يد مجاهدي الدين من المشايخ, الذين يخدعون الانثى بحيل رخيصة وأكاذيب منحطة ,فعندما ترفس الأنثى بالأحذية يقال لها انت يا أختي تاج رأسي , لذلك علي ذبحك دفاعا عن الشرف وغسل العار الذي لحق بالعائلة او العشيرة .
لايرتكب الفرد جريمة الشرف لوحده , بل ترتكبها الجماعة بأكملها وبكل سلطاتها معه , والاغتصاب ليس جنسي فحسب , انما سياسي ايضا كاغتصاب السلطةمن قبل الديكتاتور وتطوير اغتصاب السلطة الى اغتصاب المجتمع برمته , هناك اغتصاب اقتصادي عن طريق الفساد بأشكاله المختلفة , وهناك اغتصاب ديني بتطبيق أمر اقتلوا المشركين الخ من جهة , ومن جهة اخرى قيل لكم دينكم ولي دين الخ , تتشابك كل أشكال الارهاب والاغتصاب والحرب على ساحة جسد المرأة خاصة بين فخذيها ,هنا تتحول المرأة الى غنيمة حرب أو مستعمرة , لذا لابد من تبخيسها ومسخها لتبرير الوصاية عليها, كالادعاء انها ناقصة عقل ودين, ثم ضربها عند استنكافها عن النكاح , لأنها أصلا اداة نكاح للمتعة ومأجورة ايضا ( اعطيهن اجورهن ) , ثم الاستخفاف بكل بحقوقها مثلا في الارث والارادة ثم الدية وحتى السفر او الخروج من البيت والكثير غير ذلك ,ولتهدئتها تتم برطلتها باعتبارها حاملة لشرف العائلة او العشيرة ,عندها قد لاتشعر حقيقة انها سبية وعار مفسد للصلاة.
لايقتصر الأمر على الاجرام بحق المرأة, انما يشمل الاجرام الرجل , الذي يحوله الدين الى ذكر قاتل ووحش مفترس همه الوحيد غسل عار “الفرج الناشز”, اذا كان اغتصاب المرأة شر , فتحويل الرجل الى ذكر مغتصب شر مماثل ,فهادر الكرامة مظلوم كمهدورة الكرامة !!منظومة احتقار الفرد تشمل عمليا الرجل والمرأة اي الانسان بشكل عام !