ممدوح بيطار , ميرا البيطار :
قال ابن خلدون ” ينبغي علينا اعمال العقل في الخبر ,والخبر تحدث عن حضارة عربية , اعمال العقل في هذا الخبر يقود بكل بساطة الى نفي هذا الادعاء , النفي ليس برسم العقاب أو الشماتة , انما برسم الوضوح والموضوعية المفيدة في كل الأحوال , فمن لايشعر بحقيقة وضعه في القعر لاينظر الى الأعلى , ومن يعتقد وسواسيا بأنه ناهض , لايحتاج الى النهوض ,ومن يعتبر نفسه خير البشرمن خير أمة , لايجد ولا ويجتهد من أجل الترقي والصعود الى مرتبة أمة خيرة , لاتترقى امة مخمورة بوهم كونها خير أمة , مخمورة بخمرة التبجح والتفاخر الأجوف المرضي , شعور العرب المتوهم انهم قدموا للبشرية “كفاية ” , وانهم قاموا بدورهم في العطاء الحضاري شلهم وخرب حياتهم واعاقهم عن المساهمة في بناء حضارة ذاتية والمساهمة في بناء حضارة عالمية ,
لاتقدم الصحراء وما يقترن بها من مايسمى بدوية اي امكانية لبناء حضارة , لايخص هذا الأمر صحراء الجزيرة حصرا , انما هو خاصة من خواص اي صحراء , فضرورة التنقل طلبا للماء والكلأ لاتستقيم مع ماسمي منذ قديم الزمان “حضر ” , فالحضر هو ترجمة لمفهوم ” المدينة ” , والتنقل يلغي امكانية اقامة “المدينة” , الحضر يعني “حضارة ” لذلك لم تقم حضارة في الجزيرة , التي لم يكتب من قبل بدوها كتابا واحدا حتى بعد ولادة الدعوة بفترة طويلة , لاعجب في ذلك , وليس من المتوقع غير ذلك
بلاد الشام بلاد حضر اي بلاد مدن , ومأساة بلاد الشام تمثلت بالتحكم بها او حكمها من قبل ثقافة الصحراء , التي اتت مع الفتوحات بالسيف , لم تكن حضارة بلاد الشام “سيفية” انما ” حرفية” , انه السيف الذي استعمر الحرف , ومن يقارن وضع بلاد الشام المتحضر قبل ١٤٠٠ سنة مع وضع الحجاز الصحراوي لايتعجب من رداءة وتأخر الوضع الحالي , ولنأخذ كمثال ظاهرة حضارية مثل المسرح وفنونه , ففي سوريا لاتزال هناك مسارح عمرها اكثر من الفي سنة قيد الاستعمال حتى اليوم , على الأقل هناك ١٨ من المسارح العملاقة , ونفس الشيئ نجده في بقية المجالات الأخرى مثل الطرقات والجسور وقنوات الري والبناء .
من المعروف تاريخيا أن الشعوب التي نشرت حضارات خارج جغرافيتها, أي في المناطق التي احتلتها , قامت قبل ذلك باقامة المعالم الحضارية في بلادها أولا , ثم بعد ذلك في المناطق المحتلة ,وما اقيم في المناطق المحتلة كان بمستوى ادنى من الذي اقيم في بلاد المحتلين الغراة , والأمثلة على ذلك كثيرة جدا , فالاسكندر المقدوني جاء من الحضارة اليونانية وكان تلميذا لأرسطو وبالتالي اختلف بشدة عن خالد ابن الوليد وعن بن نصير , قبل ان يبني الرومان ما بنوه في بلاد الشام , بنو مثله او أفضل منه في روما , لقد استفادت مستعمرات اليونان من الحضارة اليونانية , واستفادت مستعمرات الرومان من الحضارة الرومانية, وحتى في تلك الأزمنة كان من الممكن ان يصعد العديد من السوريين على الكرسي القيصري , سوريا تحولت الى شريكة روما , هنا يجب الاستفهام عن معالم البناء التي تركها الاحتلال البدوي القريشي في بلاد الشام , وهل أصبح الشوام شركاء لبدو قريش في السلطة , ومن هو الخليفة الذي اتى من بلاد الشام؟؟ , لقد كانت البدوية الحجازية مدمرة للحضارة لا بناة لها, حتى في الجزيرة العربية لم يتركوا أثرا حضاريا , حتى الحجر الأسود لم يكن من انجازاتهم , ١٠٠٠ سنة من التسلط الحجازي البدوي المنحط و ٤٠٠ سنة من تسلط خوازيق آل عثمان كانت كافية لتكريس التردي والتأخر والتوحش الذي نعيشه حتى هذه اللحظة .
بني في اسبانيا في فترة ال ٧٠٠ سنة بعد فتحها العديد من المعالم الحضارية , ولكن لم يكن لما بني في اسبانيا شبيها في الجزيرة العربية , انما كان له العديد من الأشباه في بقية مناطق القارة الأوروبية, مما قاد الى الاعتقاد بأن مابني في غرناطة وغيرها كان أوروبي الأصل , ولم تكن له اي علاقة مع ثقافة البناء والاعمار عند ابن الوليد وعند موسى بن نصير أو عمرو ابن العاص او عقبة بن نافع وفي الجزيرة العربية
اضافة الى انعدام معالم الاعمار الحضارية في الجزيرة , كان هناك العديد من المفكرين والمبدعين , ولم تكن لمن ابدع وفكر علاقة مع بدوية الجزيرة العربية, فثقافة ومعارف ابن سينا والفارابي وابن رشد وابو حيان التوحيدي والخوارزمي وابن الهيثم وعباس بن فرناس وجابر ابن حيان وغيرهم كانت مأخوذة من الحضارة اليونانية والهندية والفارسية والسريانية في الطب والفلك والعلوم الأخرى , لم يكن لبدو الجزيرة معرفة بكل هذه العلوم , اضافة الى ذلك كانوا بغالبيتهم الساحقة من غير العرب , وقد نكل البدو العرب بهم جميعا , قتلوهم وصلبوهم واحرقوهم وشووهم , من اعتنوا باللغة العربية مثل سيبويه والشيرازي والفيروز ابادي والزنجاني وغيرهم من اللغويين كانو من الفرس , حتى المفسرين والفقهاء مثل الطبري والبخاري ومسلم والترمزي وابن ماجة وابن هشام والغزالي وغيرهم لم يكونوا من انتاج الجزيرة العربية .
لم تترك الفتوحات سوى التأخر والجهل الذي اهلك الشعوب , هنا اعود الى مابدأنا به بابن خلدون , الذي كتب في مقدمته ” العرب اذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الخراب ” ما نعيشه الآن هو الخراب