ممدوح بيطار,سيريانو سيريانو :
المجتمعات العربية غارقة في التناقضات والأزمات , ولهذه الحالة بدون شك مسببات , يمكن ذكر المحظورات واستلاب الارادات كأسباب لتلك الحالة المتردية , ومن الأسباب أيضا تلك الغريزية التي لم تتهذب على يد العقل , فالعقل مشلول وعاجز لعدة أسباب , منها المقدسات , ثم الايمان والقطعيىة المطلقة , التي تعيق تفاعل البشر مع بعضهم البعض , البشر لايحاورون وبالتالي لايتفاعلون , ومن لايحاور سيحارب , لذلك امتلأت حياة هذه الشعوب بالحروب , الفرد تحول الى لاشخص , لأنه لايتكلم كشخص ولا يبدي رأيه كشخص ولا يحدد موقفه كشخص , انما كآية أو نص أو حتى كأمة, الحديث مع هؤلاء هو حديث مع النص ومع الأمة , وبالتالي يمكن اعتبارهم مستقيلون من شخوصهم ومن استقلالية آرائهم , مستلبون ورؤوسهم محشوة بالمنقولات من أحاديث وآيات !.
الدين السالب للشخصية هو حالة ايمانية تسليمية مؤسسة على التلقين , يتوارثه الانسان من السلف الى الخلف دون تمحيص عقلاني , فمن المسلمات الاجتماعية أن ينتمي الأولاد الى دين والدهم , أي أنهم دينيا على سحنة ابيهم , لذلك لاعلاقة للانتماء الديني بالخيار العقلاني الشخصي , ولا وجود لما يسمى “الخيار الديني” , لأن هذا المفهوم يجمع الضديات مع بعضها البعض , في الدين لاتوجد خيارات وفي الخيارات لاوجود للدين , لاعقل في الدين ولا دين في العقل , الأمر برمته مجانبة للدين والعقل على حد سواء.
يربط الدين الشخصي بمرجعية مقدسة لاتمس ولا تدنس , مرجعية فوق بشرية , هي الألوهية المنفصلة عموما عن الانسان , باستثناء صلتها مع البشر عن طريق االمرسلين ومساعديهم كجبريل , كنتيجة لهذا الربط ولهذه المرجعية الممثلة للحق والصواب والحقيقة المطلقة , يتحول الحق والحقيقة الى بضاعة مستوردة ومفروضة قسرا , في هذا الوضع لامجال للانتاج الذاتي بما يخص هذه القيم , ولا لزوم لتفعيل العقل كمعمل للفكر في البحث عن الحقيقة النسبية , لا لزوم للعقل في تحديد المفهوم الضميري الأخلاقي والمعاشي الحياتي للحقيقة, وبذلك يتحول الانسان الى مستورد لأهم مايحتاجه في الحياة , وبالتالي معرضا للابتزاز من قبل المورد, الذي هو المعتقد ورجاله والمحتكر لمادة الغيبية , كهنة المعابد يراقبون المشهد عن كثب ويعيدون القطار الى سكته ان خرج عنها , انهم حماة الفضيلة الفقهية وأولياء الأمر والنهي , انهم صناع المعيار والمقياس وديناميكيتهم تكمن في تنافق فقههم , الذي يقولب الأمور كما يريدون ويتمنون تبعا لمصالحهم .
تتواجد هذه الشعوب في حالة مزورة , يقال زورا أنها ممثلة لممارسة كرم حاتمية دينية بدون مقابل , الله يهب من يشاء وهو على كل شيئ قدير , الا أن الانسان ,خاصة المتدين , يتواجد بذلك في حالة مصادرة لفاعليته الذاتية,لا أجد في هذه الحالة للكرم أي أثر , دين الله كريم بماذا ؟ كرمه تصوري افتراضي وهمي , بالمقابل يريد من البشر أن يعبدوه ! , مطلب لم يتجرأ أعتى ديكتاتور على طرحه ,اعبدوني ! أي أنكم عبييد من يمثلوني على الأرض أيضا , عبيد للمشايخ والخزعبلات , التي أمطرتكم بها وللخرافة التي أهلكتكم بها , هل ارسلت ياسيد العبيد للعبد الجائع يوم ما رغيفا من الخبز ؟؟؟؟ تريد احتكار الفضيلة واحتكار تسيير البشر كما تشاء وتريد مسخ ارادة البشر وتعطيل العقول والاتكال عليك , وأحيانا ترسل للبشر مصيبة أو هزة ارضية تهدم البيوت على رؤوس ساكنيها , والغريب في أمرك أنك لم تشارك يوما ما في الانقاذ ,انك تتفرج !! , فمن انقذ كانوا الكفار من أمريكان وطليان وألمان وغيرهم ,لم نر يوما ما هرولة رجالك وملائكتك لانقاذ البشر من مصائبهم , لقد هرولوا لتفجير القطارات والمدارس بالقنابل وحرق البشر في الأقفاص وتذبيح الناس بالسكاكين , وبيع النساء بحفنة من الدولارات .
أرى في هذه الحالة وضعا مستلبا للانسان من قبل المعتقد الغيبي ومن يمثله , أجد بالمقابل في حال الغير من البشر مفارقة غريبة , فكلما ازداد الاتكال على سيد العبيد , ازداد بنفس النسبة شقاء وتعتير عبيده , وكلما اعتمد البشر على أنفسهم ازدادوا سعادة ورقيا وامتلأت معدهم وتوضح أفقهم وتمتعهم بالحرية , يبدو وكأن التقرب من الدين مصدر للتعاسة , والابتعاد عن الدين والتدين مصدرا للسعادة , الهذا على الانسان أن يتدين ؟
عندما يتأزم وضع انسان هذه البلاد لسبب ما , يرتفع مستوى تدينه طمعا بغفران وعطف وكرم الخالق ورجاله , في هذه الحالة تزداد سطوة وهيمنة هؤلاء الرجال وترتفع امكانية تحكمهم وتوجيههم وسيطرتهم على العبيد من البشر , يوجهون الناس نحو عدو مفترض في الشارع أو المدرسة أو المقهى , وعليهم الاقتصاص منه, لأنه السبب المفترض للبلية …انه وملحد أو ماسوني مشرك الخ ,فهيا الى القنابل والسكاكين والشاحنات للدهس والرفس , والمكافأة جاهزة نظريا كوعد بأن سيدهم حجز للمجاهدين في سبيله أفضل الأمكنة في السماء , وأفضل الحوريات والغلمان والمأكل والمشرب …وضع منافق حقيقة !
في هذه الظروف الحرجة تصبح الشخصية المتدينة الفاقدة لعنصر الفاعلية الذاتية ولمعيارية الحق والمسلوبة الارادة شديدة القابلية والتقبل للعنف الذي يفرض من خارجها ومن نظم وضوابط وأحكام خارج ارادتها وحتى خارج مصلحتها .