ممدوح بيطار , جورج بنا :
لقد كان على الفكر القومي العربي أن يطور نفسه باتجاه الديموقراطية ! هل هذا ممكن ؟؟ , وهل ترتيب الوحدة أولا ثم الاشتراكية , وبعدها تأتي الديموقراطية والحرية تلقائيا صحيح ؟؟ ,وهل يمكن القول باستحالة العمل بالديموقراطية في جو قومي ثوري تلفيقي ؟؟,لهذه الاستحالة عدة أسباب ,منها تحول الفكر القومي الى أسير لدى فكرة الوحدة “الخلاصية” , أي أن الوحدة هي الدواء لكل الأمراض, لم يتصوروا أن الوحدة قد تصبح مرضا ,او أن الوحدة مستحيلة في بعض الظروف , لم يدرك القوميون العرب ما أدركه جورج طرابيشي من أن حركة القوميين العرب بخصوص الوحدة لايمكن ان تكون حاضنة للديموقراطية , لأن الممارسة السياسية والتاريخية دفعتها لأن تكون كذلك , ولأن طبيعة بنيتها وتوجهاتها الأساسية لاتسمح لها على الاطلاق أن تكون ديموقراطية حتى لو أرادت ,بدون المقدرة على الممارسة الديموقراطية لايمكن البت في تطورات بحجم الوحدة بين دولتين , ولا يمكن تصور نجاح هذه الوحدة , خاصة وأنها كانت ككل افعال العرب اعتباطية وبدون خطة او دراسة .
الفكر القومي معرض للتنكص العنصري , خاصة في شعوب ذات مقومات قومية متعددة , والفكر القومي لايستطيح في حالة التنكص هذه أن يكون ديموقراطي , لأنه عنصري في أساسه , وازداد عن طريق ايقاظ عنصرية القوميات الأخرى تشاحنا معها , وليس تلاحما واندماجا معها , لذا فان مقولة طرابيشي التي ترى استحالة ولادة الديموقراطية من رحم قومي صحيحة , والديموقراطية التي لها أن تولد من رحم قومي مصيرها التحول الى أسطورة , كم تحولت فكرة الوحدة والاشتراكية الى أسطورة ,كانت هناك آراءأخرى بخصوص الوحدة والقومية مثلا من أنطون سعادة او ياسين الحافظ وغيرهم , الأهم من كل ذلك كانت دروس تشكيل الاتحاد الأوروبي , لماذا تشكل وكيف تشكل ؟
الديموقراطية هي الرحم , الذي يجب أن تولد منه القيم والأحلام الأخرى , ونظرة واعية تقارن بين الغرب والشرق قد تكفي لفهم هذه الاشكالية , ففي أوروبا نشأ فكر قومي , اقتدى به الكثير من القوميون العرب ..أنطون سعادة ..ميشيل عفلق ..الخ , وقد قاد هذا الفكر القومي عن طريق تنكصه العنصري الى الحروب العالمية الأولى وخاصة الثانية , وبمقابل الحروب الأوروبية -الأوروبية يمكن التنويه الى الحروب العربية -العربية في ظل التفكير القومي , انقضت الحروب التي خربت أوروبا بشكل شبه نهائي , ولم تكن الخلافات والحروب العربية -العربية أقل كارثية بكثير , نفضت الشعوب الأوروبية غبار الحروب واستقرت في دول كثيرة الديموقراطية وقليلة أو معدومة الفكر القومي , في ظل الديموقراطية وفي ظل اندحار الفكر القومي , استطاعت هذه الشعوب تحقيق وحدة تزداد يوما بعد يوم تراصا وثباتا , وفي ظل الديموقراطية انتهت اشكالية التناحر والتشاحن القومي , وانقراض هذا التشاحن سمح بمزيد من الحرية والمساواة والتقدم ..هذه كانت المسيرة الأوروبية الناجحة , مقارنة بالمسيرة العربية الفاشلة .
فشل الشرق في تأسيس دول متقدمة , تقدم لشعوبها مستويات لائقة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا , لا يعني نهاية المطاف , لايوجد شعب الا وفشل يوما ما في مشروع معين , الآن لاتوجد ديموقراطية , الآن نقف الشعوب على الخراب وعلى أنقاض الخلافات والحروب ..الآن يجب على الشعوب القفز فوق الزمن ,وعليها الاستفادة من خبرة الآخر في تنظيم أمور الحياة ,على يد يقظة تقدمية , من سوء الحظ استيقظت الأصولية بشكل فاحش ومتوحش , منبرية لأي تقدم ديموقراطي ومتحدية رغبة الشعوب والحاحها على القدرالأدنى من الديموقراطية والحرية , أصولية جثمت على رقبة الشعوب العربية , وتريد سحق هذه الشعوب بأثقال الماضي المريب ..الشريعة ..الشورى ..الشوارب والذقون .رجال الدين وفلسفة الاخونج السياسي مثل الاخونجي الغنوشي والقرضاوي ..والعرعور وغيرهم من المروجين للولاية والامارة والخلافة وأمير الؤمنين وسرقة الثورات والاغتيالات وعدم الاستقرار ,تجييش الطائفية وخلق وضع يتجه الى الوراء وليس الى الأمام ,يتمنطق بمنطق العداء للغرب ,وفي سبيل هذا العداء, تريد الأصولية بذل الغالي والرخيص , وترفض رفضا كاملا الفكر الغربي بما يخص الحرية والديموقراطية , وتقبلا كاملا وشاملا لاستهلاك منتجات الديموقراطيات الغربية ,من السيارة حتى الجوال الى مقويات الفحولة ,اصولية لا أغبى ولا أشر منها ,أصولية لاتسأل عن سبب مقدرة الغرب على صنع الآلة , التي تستهلكها الأصوليات ليلا نهارا , البترول الذي سد رمق البعض , أعمى عقل وقلب الآخر ,الأصولية تشتري بالبترول ماتريد , وتعيق بالبترول أي تطور لاتريد .
فشلت تجربة الوحدة والحرية والاشتراكية,لأن الظروف الموضوعية لم تكن مواتية لنجاح تجربة من هذا النوع !