ممدوح بيطار, سمير صادق :
بالمقابل , لاتزال ثقافة الحرب والتحارب والانتصار مهيمنه على عقول البدوية العربية , ولا يزال اعتبار النصر الحربي وسيلة وبحد ذاته هدفا نهائيا , لايزال هناك من يعتقد من الشعوب العربية بأن الانتصار العسكري هو مفتاح النجاة ووسيلة التقدم ,هنا يجب السؤال عن أسباب ذلك الشغف العربي بممارسة الحروب والتحارب , الذي لم يتوقف عمليا في القرون الاربع عشر الأخيرة ! .
لقد كانت اقطاعية الريعية, التي انتجها اقتصاد المغازي العسكري الديني, , وبواسطته ترسخت وسادت قيم القوة والتغلب والقهر البدوي العصبي ثم السطو والمصادرة لأرض الغير وجباية الأموال بشكل استبدادي عنيف من خلال ولاة الخليفة, ومثالنا خالد بن عبد الله القسري عامل العراق وموسى بن نصير عامل المغرب والأندلس ويزيد بن أبي مسلم وعبيد الله بن الحبحاب, كلهم مارسو تسلطا فظيعا لتأمين موارد مالية للخلافة تجاوزت السياسة الجبائية المالية المفروضة , اكتفاء الخلافة والولاة بالجباية قاد الى انعدام الدافع للاهتمام بالقطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة , والى فقدان الأمن والأمان والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
لقد انتشرت وهيمنت القيم الأخلاقية للروح البدوية, أي قيم القوة متمثلة في التوحش والتغلب والبأس والافتراس والرجولة وانتشار مفاهم الحق البدوي المؤسس للفساد , .الحرب والغزو كان مهنة البدوي , التي اعتاش منها , فالغنائم كانت السب الأول للفتوحات , ولا يمكن لنشر الدين أن يلعب أي دورا أساسيا , لأن المحاربين لم يكونوا مسلمين يقينا وانتماء وانما شكليا , والفترة بين الفتوحات وولادة الدين كانت قصيرة بحيث يمكن القول ان المسلم هو من نطق بالشهادتين فقط , ولا شرط أن يعرف شيئا عن الدين , ينطق بالشهادتين ويمارس الطاعة والانصياع, وهذا هو المطلوب لا أكثر .
باختصار يمكن القول على ان الغنائم كانت السبب الرئيسي لنجاح الفتوحات العربية على المدى القصير والمتوسط, وكانت السبب الرئيسي أيضا في فشل الفتوحات في انجاح العرب المسلمين في الحياة , انه الفرق الشاسع بين الانتصار والنجاح , انها مهنة اكتساب الرزق عن طريق الحرب , ومن أين ستأتي الرزقة في حالة السلام عند شعوب لم تعرف الزراعة أو الصناعة وبالتالي العيش من الانتاج وليس من السطو والسرقة .
لقد أفسدت الغنائم بما فيها الغنائم البشرية الشعوب … سبايا مثلا , الغنائم كالنفط وأضراره على المدى البعيد التي ستفوق منافعه , السبايا والجواري افسدوا الأسرة , لطالما كان هناك اقتصاد ريعي (غنائم) , لم تكن هناك حاجة لاقتصاد انتاجي , كل ذلك اضافة الى اشكالية الأسرة جعل من قيام مجتمع مدني أمرا مستحيلا , المقدرة على انتاج مجتمعا مدنيا هو معيار النجاح وليس الانتصار في المعارك!