ممدوح بيطار, سمير صادق :
بالنتيجة برهنت الفتوحات البدوية الدينية عن كونها كغيرها من الحروب الاستعمارية والحروب المقدسة الاستغلالية المتوحشة !, جوهريا لافرق بين كل اشكال هذه الحروب , من ناحية التبرير لا وجود لحرب احتلال دون تبرير ملفق , الا أن التبريرات الدينية المحمدية الحجازية تختلف بالعديد من الأوجه عن التبريرات التقليدية الأخرى, بالرغم من كون الجوهر واحد .لايمكن للتكليف الالهي أن يتضمن كل تلك الشرور والتجاوزات ,اله يأمر بالسبي والسرقة والاغتصاب وغيرهم من الممارسات السيئة الدنيئة ليس باله , لذا يمكن ويجب اعتبار الفتوحات عملية بشرية لاعلاقة لله الافتراضي بها, انها استمرارا وامتدادا لما مارسته القبائل العربيةالبدوية في الجزيرة العربية قبل الدعوة , اذ اعتاشت هذه القبائل من الغزو ومن غنائم الحرب ,اتى الدين ووحد هذه القبائل سياسيا وعسكريا ووحد ايضا نفسية وثقافة ” الغزو ” عند هذه القبائل , ثم زود هذه القبائل المدمنة على الغزو بمبررات اضافية كمبرر قدسية وضرورة نشر الدين , اضافة الى التشجيع على الافراط في الجهادالسارق النهاب حتى الموت , جهاد السرقة والسبي هو مقدمة لحياة أخرى في الجنة ,انه انتقال من الحياة الفانية الى الحياة الأبدية حيث الحوريات بأعداد وأشكال تفوق كل تصور , وحتى عذرية الحوريات كانت من الثواب المضمون لكل مجاهد في سبيل والنهب والسرقة اي في سبيل الله!,الذي حولوه الى زعيم لعصبة من قطاع الطرق , يجب أن لاننسى أونتجاهل نظام توزيع الغنائم (قاعدة الخمس) المشجع جدا على النهب والسلب والسبي , وحتى حصة خمس الغنائم لابن عبد الله حولته من فقير معدم الى ملياردير , كما أكد ذلك الشيخ وجدي غنيم , اضافة الى ذلك جاء في الحديث الشريف”من مات ولم يغزو , ولم يحدث نفسه بالغزو , مات على شعبة من نفاق ” فلكي لاتنافق عليك بالغزو والسرقة.
حاجة المؤمن الصالح الى الغزوة والاحتلال مستمرة ومقدسة ,ولا يعيقها الا عامل عدم المقدرة على ممارستها , عدم المقدرة قادت الى توقف الفتوحات اي توقف سيول المسروقات والغنائم, لذا لم يبق من الفتوحات وممارستها وثقافتها الا التباكي عليها وتحويل السرقة الى الداخل اي الفساد , العالم بعكس ذلك فرح جدا لانعدام المقدرة على القيام بالفتوحات , تصوروا امتلاك حوالي ٤٠٠ مليون عربي مؤمن بالله ورسوله لامكانيات 300 مليون أمريكي عسكريا واقتصاديا وسياسيا , فكيف سيصبح حال العالم عندئذ ؟؟, بالتأكيد سيصبح العالم قندهاري افغاني بامتياز !!!
اختلفت التبريرات والجوهر واحد ,الا أنه بالرغم من ذلك من المتوجب النظر الى أمر الفتوحات كواقع تاريخي يتأرجح بين الوحي من جهة والواقع من جهة أخرى , وعلى البشر واجتهادهم اللجوء الى الوحي تارة أو الى الواقع تارة أخرى أو الى الاثنين معا حسب الحاجة وحسب الظروف , فاللجوء الى الوحي ينفي الحاجة لمبررات اضافية , فكلام الله هو بحد ذاته المبرر لنفسه ولاحاجة لكلام الله أن يكون منطقيا حسب معاييرنا الدنيوية ,لأن كلام الله أصلا هو المعيار لكل شيئ.
علاقة الواقع مع الوحي هي علاقة تكافل وتضامن ,الوحي يدعم الواقع حسب الضرورة والظروف , فواقع التهديد الافتراضي التلفيقي البيزنطي والفارسي للخلافة كان له تأثيرا ليس بالقليل على غزوة سوريا وبلاد الشام , لقد اقترن هذا الواقع التبريري مع الوحي الآمر بنشرالدين في المنطقة السورية,كما أن الواقع عمل يدا بيد مع الوحي في تحديد الارتكاس لحادثة مقتل فروة الجذامي من قبل الرومان لأنه تأسلم ,لذا يجب على الكتابي أن يتأسلم تجنبا لدفع الجزية والمضايقات الأخرى المتثلة بكونه مواطن من الدرجة العاشرة حسب العهدة العمرية , ولكي يستطيع السير على الطريق الى جانب المؤمنين دون أن “يطورق”الخ !!.
علاقة الدين مع الدولة في العصور الوسطى الأوروبية كانت علاقة اعتمادية ,هناك رجال الدين ورجال الدولة , طرف يعتمد على الآخر , وذلك من أجل ضمان سيطرة الطرفان أي اقتسام السلطة بين الدين والدولة , أتت المحمدية بمنظومة الخلافة التي هي دين ودولة , وبذلك ألغيت ثنائية التحكم ليحل محلها احتكارية التحكم وديكتاتوريته ,مزج الدين مع الدولة في الخلافة الواحدة تمكن من تحويل الفتح ظاهريا الى “واجب”لكل مؤمن , بدلا من تمظهره عمليا “كحاجة “استعمارية للدولة , الفتح قناع لنشاط استعماري أشد خبثا من النشاط الاستعماري التقليدي, الذي يخضع الى أحكام الحاجة أكثر من خضوعه الى أحكام الواجب .
