لا بد أن يسترعي انتباهنا استعمال بعض المغالطات المنطقية أو الاخطاء التفكيرية الشائعة في سياقات الحوارات والنقاشات , وللمغالطات المنطقية أنواع عدة , من أهمها مغالطة الشخصنة , التي من المفيد تجنبها لما لها من عواقب ضارة , فهي تنحو بالنقاش نحو الفراغ والعبثية والعدمية , وهي أصلا مظهر من مظاهر تخلفنا وثقافتنا السلبية .
لاتعود ممارسة الشخصنة بالفائدة على أحد , وتعريفا يمكن القول بأن الشخصنة هي الحكم على الفكر أو الفكرة من خلال من خلال الشخص الحقيقي او الاعتباري (حزب أو تيار أو مذهب ..الخ) , الذي تنسب اليه الفكرة والأفكار , لا من خلال مضمون الفكرة , حيث يتم التعامل مع الشخص مزاجيا , اما تعظيم وبالتالي كل مايطرحه صحيح , أو تقزيم وبالتالي كل مايطرحه خاطئ , تعظيم الشخص أو تقزيمه يخضع الى أحكام التعصب والعنصرية القومية او الدينية او غير ذلك من العصبيات , العروبي بنظر عروبي آخر على حق مهما كان رأي العروبي الآخر , المسلم بنظر مسلم آخر على حق مهما كان رأي المسلم الآخر …
للشخصنة شكل مغاير لما قيل , فصاحب الفكرة الموازية لفكرتي هو شخص عظيم , وصاحب الفكرة المجانبة او المعاكسة لفكرتي هو قزم سقيم , الشخصنة تخرب تقييم الفكرة بلصقها بنوعية الشخص , وتخرب تقييم الشخص بلصقه بنوعية الفكرة , وبذلك تدمر الشخصنة اما الفكرة أو الشخص أو كلاهما وتقضي على الموضوعية وتعرقل وصول النقاش الى الصواب أو الحقيقة .
أكتب مقالا عن موضوع ما , ومهما كان الموضوع وطريقة بحثه ونتائج هذا البحث فسيكون هناك عدة ارتكاسات نمطية , منها ارتكاس يخص الموضوع فهناك من يرى الخطأ في هذه الفكرة والصواب في الفكرة الأخرى , الارتكاس موجه بشكل كامل لمضمون الموضوع بغض النظر عن شخص كاتبه , هناك ارتكاس آخر وهو الشخصنة , هذا الارتكاس يتوجه الى شخص الكاتب , فالكاتب حاقد , الكاتب سطحي ..الكاتب معتوه ..انه ذيل وعميل صهيوني – امريكي يريد القضاء على الدين الحنيف والنيل منه .
يعتمد الارتكاس المشخصن في هذه الحالة على نظرة ورائية للشخص , لطالما كتبت ياعزيزي يوما ما مقالا ناقدا أو غير مستساغ فسوف تؤول ياعزيزي الى مصنف الأقزام ,فما يطرحه القزم من أفكار يستحق الادانة والاحتقار والازدراء , أفكار القزم مدانة حتى قبل التعرف عليها , بالمقابل استساغة مقالا ما يرفع شخص كاتبه الى مرتبة العظماء حيث قد يصل الأمر الى التقديس , يبقى العظيم عظيما والقزم قزما بغض النظر عن تطور الشخص أو تطور النص ايجابيا أو سلبيا .
عدد المناسبات التي تعرضنا لها وتعرض غيرينا لها بشكل فج وشخصي صعب التصور , كم من المرات فيل عن الغير وعنا أيضا …كلاب قذرة , تقتات من مزابل الغرب , رويبضة , منبوذ , فرانكوفوني … , انه النموذج المألوف من الارتكاس الدوني , وله شعبيته للأسف ,هناك مقولات من نوع آخر وهدفها آخر …جزاك الله خيرا يا أخي لافض فوك… الى آخر اسطوانة التعظيم بالشخص , تعظيم وتقزيم !!!,وكلاهما شخصنة كريهة يقوم بها الاخوان أكثر من غيرهم بدرجات …مالسبب ؟
انه الضعف الثقافي والفكري , وعدم الاستقلالية الفكرية وقلة الاعتماد على النفس في بناء الرأي الذاتي , فكلما قوي الانسان وتقدم وأصبح قادرا على الاعتماد على نفسه وأكثر استقلالية مال الى الموضوعية , فالحر ذو العقل الشغال يبتعد عن الشخصنة ,والضعيف مسلوب الارادة يقترب منها كوسيلة دفاع فاشلة , انه الاعتماد الكلي على النص والشعور بمخاطر مجانبة هذا النص.
أخيرا لنا ملاحظة لابد من ذكرها , وهي أنه من العسير جدا فصل الشخص عن فكرة ومضمون النص فصلا تاما , الا ان درجة الفصل الضرورية يجب أن تكون كافية لصيانة النقاش من تأثيرات الشخصنة التدميرية