كل ارهاب جريمة , ولكن ليست كل جريمة ارهاب , للارهاب معالم تختلف عن معالم الجريمة العادية , من معالم الاختلاف نذكر الخلفية الخاصة بالارهاب , فهذه الخلفية ليست شخصية ,انما في معظم الحالات فكرية عقائدية , خلفية المجرم العادي شخصية , وعادة يوجد بينه وبين ضحيته أو خصمه علاقة ومعرفة ,لاوجود لتلك المعرفة والعلاقة بين الفاعل وبين الضحية في الفعل الأرهابي , كما أن الفعل الارهابي يهدف الى الاقتصاص من الغير وليس من الضحية بالدرجة الأولى , المجرم يقتص مباشرة من الضحية ,هدفه الضحية وليس من هو خارج هذه الضحية .
وعن المسؤولية ,هناك فرق شاسع بين الارهابي والمجرم , فالمجرم مسؤول عن فعلته حصرا , بينما الارهابي ليس مسؤولا عن فعلته حصرا , معظم المسؤولية في حالة الارهاب تقع على عاتق الخلفية العقئدية والفكرية وعلى الجماعة ,التي تدفع الفرد لتنفيذ الفعل الارهابي , الفعل الارهابي هو من صنع الخلفية بالدرجة الأولى ,انها الفاعل الحقيقي , بينما الفرد هومنفذ الفعل الارهابي فقط , يسمى ذلك “الفعل الجماعي” ,اي فعل الشخص وخلفيته الفكرية معا .
يحاول البعض التمويه على الخلفية الفكرية وتبرئتها من الفعلة الارهابية , من هذه الطرق التماس الدوافع بجهل الفرد وعدم اسلامه وكونه سكير عربيد حشاش فاشل اجتماعيا ومحكوم عليه الخ , هذه الخصائص بالذات هي الخصائص المطلوبة من شخص يراد منه تنفيذ فعل ارهابي , فهذا الشخص يرغب باعادة تأهيله لنوع جديد من الحياة التي تشعره بأن ليس منبوذ وذو قيمة ومكانة عالية على الأقل في الجماعة التي ينتمي اليها .
من المدارس التي تستطيع تأهيل الفاشل لخدمة أهدافها , تتبؤ مدرسة الاخوان الجهادية مركزا مهما في هذا العصر, هذه المدرسة تذيب هؤلاء في المجموعة الجهادية بسهولة , لأن الحشاش أو السكير فاقد معالم الشخصية يحول الجماعة الى بديل له عن شخصيته , الجماعة تحترمه وتشجعه بالمكافأة تلو الأخرى وتهبه لقب مؤمن ولقب مجاهد ثم لقب من خير أمة, يتتوج كل ذلك بلقب”المؤمن الأعلى” وبامتيازاته في السماء والجنة , خاصة عندما يقوم بتلبية فروض الجهاد , وعندما يموت في سياق الجهاد في سبيل الله وليس في سبيل شخص أومجموعة يراها ويتعامل معها وجها لوجه, اضافة الى ظنه بأن فعلته كانت في سبيل الله, يعتقد ايضا أن أميره كالبغدادي او كبن لادن او غيرهم مستعد شخصيا لممارسة الارهاب في سبيل الله مثله, يظن أيضا أن اميره البغدادي يتساوى معه في الايمان ويساويه في القيمة, من حيث كلهم يجاهدون وكلهم سواسية في الجهاد ونهايتهم جميعا في الجنة مع الحوريات وغير ذلك من الامتيازات التي تخص المؤمنين دون غيرهم , هنا يكمن الضلال وسوء الفهم والخداع , فالبغدادي كان حريصا جدا على سلامته وعلى حياته ولم يساوي نفسه من بقية المجاهدين , الذين يموتون في سبيله وليس في سبيل الله , وما هي ضرورة الموت في سبيل الله , عندما يكون الله جبارا مكارا وقادرا على كل شيئ , الارهابي الذي يفجر نفسه ويفجر المدرسة او المقهى او المتجر او غيرهم ليس سوى مخلوق مخدوع مضلل منتحر في سبيل دجال آخر , اتستحق حياة ابن لادن او حياة البغدادي كل تلك التضحيات بحياة عشرات الألوف من البشر , ماذا انجز البغدادي وماذا انجز بن لادن او الظواهري او امثالهم من اشياء جميلة ومفيدة ؟.
معظم خريجي مدارس الجهاد او حتى المدارس الدينية مثل معهد كفتاروا في دمشق انخرطوا في الاجرام , هنا يحرض او يشجع ما يسمى الجهاد على ممارسته بشكل مباشر او غير مباشر , تقول النصوص أنه لاقيمة لما يقوم الانسان به من شرور في حياته بشرط النطق بالشهادتين , عندها تلغى كل ذنوبه ويصل الى جنان الخالق , وتوزع ذنوبه عندها على الكفرة من اتباع ديانة ابراهيمية أخرى , لذلك فان مصير كل ابراهيمي آخر هو جهنم , هذا هو العدل الالهي !
لايمكن لمدرسة الجهاد أن تفلح في خلق الانسان الأفضل , انما في خلق الانسان الأسوء اي المخلوق البشري الحيواني المفترس , لذلك لابد من تجفيف ثقافة الجهاد والاستشهاد الاجرامية, لايمكن تكريس السلام والتفاهم السلمي بين البشر بوجود فتاوى التكفير وجهاد الطلب ومشاتل استزراع بذور الارهاب والاعتداء على الغير تحت عنوان هداية الغير الوقح , وكأن مدارس التفجير مؤسسات “هداية”, وهل تقتيل الناس مؤخرا في زولينجن الألمانية بالسكاكين هداية لهم , ومن كلف المجرمين بهداية الناس بسكاكين الذبح ؟
حتى الحيوانات لم تعد تذبح في معظم انحاء العالم , ولم يعد العالم يفهم مفردة “حلال ” بخصوص مادة اللحم , اللحم الحلال ! يعني ذبح الماشية بالسكين للحصول على اللحوم , حتى في المجال الحيواني لم يتمكن المؤمنون من التحرر من سطوة مفهوم ” الحلال ” البدائي , الذي كان معقولا قبل اكتشاف الكهرباء , لايقتصر الذبح على الحيوان انما تتم ممارسته ايضا على رقاب البشر ….هكذا تم ذبح استاذ التاريخ على قارعة الطريق في احد شوارع باريس , وهكذا يتم التعامل نظريا مع تارك الصلاة , عمليا أصبح ذبح البشر نادرا باستثناء السعودية وايران,ا ولكن رجم المرأة بتهمة الزنا ليس بتلك الندرة , والحكم على المرتد بالقتل شنقا ليس بتلك الندرة, وحتى ذبح تارك الصلاة شرعي, هنا يمكن سؤال المحكمة في مدينة مصراتة الليبية عن الحكم الذي صدر بحق الشاب علاء الدين بسبب ردته , بالمختصر لم يتمكن التوحش ان يتجاوز نفسه في هذه المنطقة ولم تتمكن الجماعات البدائية في هذه المنطقة من استلهام قيما منسجمة مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان , وذلك بالرغم من الضغوطات التي تمارسها الشعوب المؤنسة على الشعوب المتحيونة , فلولا الضغوط الأوروبية على سبيل المثال لما علقت ايران رسميا قانون “الرجم ” الغابي , عمليا لاتزال ممارسة عقوبة الرجم قائمة في ايران وفي بقية دول المنطقة حتى الآن , ولا يزال العديد من المؤمنين يروجون لتلك الممارسات مثل قتل تارك الصلاة ولو كانت الابنة او الابن , هذا ما نسمعه منهم على منصات التواصل الاجتماعي يوميا , لايزال التوحش سيد الموقف للأسف !!!
