ممدوح بيطار , سمير صادق :
ادعى روبيسبيير ان الثورة ليست الا انتقال من مملكة الجريمة الى مملكة العدل, هل ينطبق ذلك على من يسمي انفسهم في سوريا ثوار ؟وهل بامكان الدواعش واشباههم من الاخوان عموما اقامة مملكلة العدل والرقي والتقدم واحترام الانسان ؟ , وهم كما قال اينشتاين أصولية مشبعة بكل ما هو اجرامي وتأخري, كل اصولية تقود حسب رأيه الى البربرية , وهل اثبتت الأحداث صحة ما قاله اينشتاين وروبيسبيير قبل مئات السنين ؟ لقد ساهمت الأصولية الاخونجية تحت الرايات السوداء وتحت أسماء مختلفة في اثبات صحة نظرية هنتتغتون حول صراع الحضارات او ما يسميه جيلبير الأشقر صراع الأصوليات , والأصح حسب رأينا ما ادعاه جيلبير الأشقر عن الأصوليات,الموجودة في كل مكان حتى في الغرب , الفرق بين الأصوليات الغربية وبين أصوليات اخوان العربان , هو أن الغربية ارادت أن يكون هناك نوعا معينا من العالم , بينما ارادت اصولية اخوان العربان ان لايكون هناك اصلا عالم !, وجود عالم الأرض يتناقض مع نظرتهم لمجمل الحياة , فالحياة حسب رأيهم جزئيا ارضية فانية وجزئيا سماوية خالدة , ولا مقارنة بين الجزء الفاني والجزء الخالد , الأساس هو السماوي وليس الأرضي .
السماوي هو الأهم بنظر الأصولية الدينية السياسية , لأنه أفضل نوعية من الأرضي, كما تم شرحه في توصيف الجنة بحورياتها وغلمانها وخمورها وانهار عسلها ثم بأغشية بكارة حورياتها المتجددة يوميا الخ , كل ذلك كان موضع عناية وترويج واحتضان من قبل الأصولية الدينية السياسية , التي أوصلت كل بلدان المنطقة الى حافة الاندثار بالشراكة مع العروبيين , حيث أسس كل هؤلاء الماضيون دول الله وحكومات الله وشرعية الله المستوردة من السماء والمرفقة بلعنة الله , الذي خذلها باضعاف قدرتها على الانتماء الى التاريخ العالمي , أي وضعها خارج التاريخ باستثناء الباسها جلابية العنف والقتل وهدر الدماء , لم يسمح لها اتقان فنون الانتماء الى التاريخ البشري, مقابل اتقان الانتماء الى الغابة, التي يستوي بها القاتل مع المقتول بما يخص حظوظ الوصول الى الجنة , نتذكرفي هذه المناسبة كاتبة نسوية اتهمت بالكفر لأنها قالت , ذهبت الى مكة ابحث عن الله فلم اجده , وفي ما تبقى اعربت عن قلقها من تحول العقيدة الالهية الى جهاز سياسي للسطو على جهاز الحكم , اي اقامة دولة دينية!.
أقاموا دولا دينية كان اسمها دولة مرسي في مصر ودولة الغنوشي في تونس ثم دولة البشير في السودان وحتى في المغرب حكم حزب كان نسخة طبق الأصل عن حكم الخليفة اردوغان , ناهيكم عن السعودية قبل استلام محمد بن سلمان السلطة ثم قطر وغيرهم , وحتى لبنان يحكم من قبل اصولية دينية ,كلهم “جاهدوا ” من أجل الحرية وتحقيق الانتقال الديموقراطي , ولكنهم لم يوفروا الحرية ولم يحققوا التحول الديموقراطي ,بل العكس من ذلك ,اقتصاديا نشروا الفقر والفساد, واجتماعيا الشرذمة والطائفية , رحلوا الانسان الى القبر قبل ان يموت , أصلا لايعتقدون بموت المؤمن نهائيا, لايموت انما ينتقل الى حياة أخرى , المكبرون في المساجد لايموتون بل يبقوا أحياء عند ربهم يرزقون !,
التكبير هو من التمظرات اللفظية للمذهبية السياسية, التي تجمع تناقض السياسة المتغيرة مع الدين الجامد, المذهبية السياسية بقيت غامضة هلامية الى درجة كبيرة , ولكن بالرغم من الغموض يمكن التعرف على بعض معالم أو وظائف او ممارسات المذهبية السياسية , من هذه التمظهرات الأهمية الفائقة للاستيلاء على السلطة بأي اسلوب كان , ان كان من خلال انتخاب او تمرد عسكري أو مواجهة مسلحة , الوصول الى السلطة هو الهدف الأول والأخير, حسب ظنهم يمثل الطريق الى السلطة دربا وحيد الاتجاه , فمن يصعد لاينزل , وأول مهمات الصاعد هي القضاء على السلم الذي صعد بواسطته , أي الغاء الانتخابات الدورية , صعدت حماس عام ٢٠٠٦-٢٠٠٧ على سلم انتخابات لم يكن لها ان تتكرر ولم تتكرر طوال تلك الفترة من عام ٢٠٠٧ حتى الآن .
لاترى العقيدة في الانتخابات سوى العقم والكفر,فالله لايستمد شرعيته من الصنادبق انما من السماء ,لا يشعر هؤلاء بأي شكل من التناقض في الغائهم للسلم الذي صعدوا بواسطته الى كرسي السلطة , انهم يؤمنون بمفهوم “التمكن ” , كل وسيلة تمكنهم من الصعود مشروعة حتى الديموقراطية , التي يرفضوها مبدئيا, ولكن يستخدموها لمرة واحدة في اطار مفهوم ” التمكن “, لهم تصوراتهم عن اسلوب الحياة العصرية , التي تعاني من نقص في الخيال الحكومي وفي فهم ماهية الدولة , اضافة الى اعتبار الماضي صالحا للحاضر بغض النظر عن نوعية هذا الماضي الذي يحمى بالمقدس ومفهوم لاريب به , انهم يقرؤون التاريخ لاهوتيا .
لاخيار أمام أي حركة سياسية سوى الانخراط في الشراكة السياسية مع الآخرين , والانخراط في الشراكة السياسية مستحيل عندما تكون الحركة المهتمة بالشراكة دينية , لأن الدين شيئ مختلف عن السياسة , لذلك من المستحيل أن تتم الشراكة مع الاخونج الممثل للمذهبية السياسية , لكي يصبح الاخوان شركاء عليهم التخلي عن اخونجيتهم الدينية ,فالاخونجية منظومة دينية أخلاقية فردية يستمد الفرد منها هويته الدينية, ولا يمكن استمداد الهوية السياسية منها , لأن الهوية السياسية اجتماعية والدين ليس اجتماعي والسياسة تترجم المجتمع .
على الاخوان التدرب على فنون السياسة وعلى فنون العيش المشترك اي على الحياة الاجتماعية , التي ليست حياة دينية , تحويل الانتخابات السياسية الى تعبير عن الوضع الديني ليس الا تزويرة عملاقة , الغلبة الغالبة دينيا لاتمثل الأكثرية سياسيا , أصلا يعبر مفهوم الغلبة الغالبة عن قدر كبير من الانحدار الأخلاقي , اذ يروج هذا المفهوم الى أن التغلب هو أساس التعامل ,وعندما يصبح التغلب اساس التعامل يقضى على اجتماعية الناس وعلى انسنتهم, وبذلك تتحول الدولة الى حديقة حيوانات مفترسة بحجم الدولة او الوطن .
الغلبة الغالبة المعبرة عن تفوق عددي لأتباع مذهب ديني ليست أكثرية سياسية , ولا تجوز اي انتخابات عندما يكون المرشحون من سكان السماء أو يمثلون السماء , ثم أن الدساتير لاتسمح لحزب ديني بخوض معركة انتخابية , والشعب عموما يرفض ذلك, اذ لاوجود لفئة شعبية تقبل التعامل او التحالف مع الاخوان بوصفهم أوصياء على الأمّة التي لا وجود لها سياسيا , الوجود هو لمجتمع الدولة المؤلف من امم وشعوب متعددة.
الدين منظومة هلامية صعبة التعريف , يستمد الفرد منه هويته الدينية فقط , وليس هويته الأخلاقية او الوطنية أو غير ذلك , وحتى استيراد الهوية الدينية من دين ما لايعني أن يصبح الانسان رهينا لهذا الدين أو الهوية , التي يمكنها أن تتطور او تتغير حسب ارادة الشخص , لذلك لاوجود لما يسمى “ردة”, ولا وجود لأي عقوبة لمن يغير دينه او حزبه السياسي ,مايسمى ” ردة” هو حرية , ومن يقتل مرتدا يستحق المؤبد!.
Post Views: 217