سعادة ومقتله الأول والثاني ولربما الثالث ..

ممدوح بيطار ,ربا منصور   :

 

    انطون سعادة المولود عام ١٩٠٤ , كان سياسيا وفيلسوفا وعالما اجتماعيا  قل نظيره في هذه المنطقة ,  خرج السوريون من ظلام الاحتلال الطويل فاقدي الهوية والانتماء , ممزقين بأمراض التعصب الديني الطائفي , ومسجونين في سجن الجهل والتخلف,    كان سعادة  تنويريا  كبيرا  , لذلك قتله   رجال   الظلام   في   هذا   اليوم   قبل   ٧٥   سنة .
ساهم سعادة في اكتشاف الأمة السورية , وفي نشر العلمانية , واعتبر على أنه من حق أي انسان يعيش على أرض سوريا التاريخية ان يكون مواطنا سوريا , مهما كان عرقه وديانته وأن يتمتع بكامل الحقوق والواجبات والمساواة  .
لقد واجهنا سعادة بصورتنا البشعة وبأمراضنا الاجتماعية , وشرح لنا كيفية الخروج من شرنقة الانتماء العرقي او الديني او الطائفي, والدخول في فضاء الانتماء الوطني , علمنا كيف ننتقل من الفردية الى الاجتماعية , وكيف نتعامل مع الوطن بشكل يخدم الشعب ككل ويمنع انانية الفرد ,  هناك أفراد في الوطن , والوطن ليس أفراد!
يستحق سعادة الأحترام, , ولست هنا بوارد تمجيده ومدحه بالكلمات , انه يستحق التكريم ليس بعبارات رنانة ومرثيات نقتل بها عظمائنا مرة تلو الأخرى بمناسبة ولادتهم ووفاتهم , تكريم سعادة لايكون بكتابة المقالات البكائية عليه ,   ذلك عديم الفائدة ولا يستحق بذل الجهد واضاعة الوقت بطقوس فارغة المضمون , فمن سعادة يهمنا فكره ومناقبيته , نكرم سعادة عندما نأخذ فكره ونستفيد منه ونناقشه ونطوره , ولا نقتله مرتين .
قتلنا سعادة مرتين , الأولى عندما اخترق الرصاص صدره , ورصاصة الرحمة رأسه, مرة أخرى عندما سجن فكره في اطار حزبي ضيق , فسعادة مفكر أولا وليس  مؤسس   حزبا فقط    , سجن الحزب أفكاره في سجن محصن بالتابوهات , التي لايجوز لمسها أو التعرض لها أو الاقتراب منها , وبذلك اعطوا فكر سعادة صيغة المقدس , ليصبح فكره أشبه بالسور والآيات , جمدوا أفكاره , وأبعدوها عن التطور الضروري والدائم , وحولوها الى صالحة لكل زمان ومكان ,وبالتالي أخذت أفكاره طابع ديكتاتورية النص , التي تترافق بديهيا مع قدر من التخوين والتكفير, المقرون كالعادة بالعقاب والاقصاء ومن ناحية أخرى بالتلفيق والرياء , لقد اثرت  البيئة العربية على الحزب جزئيا باتجاهها , والحزب طور هذه البيئة جزئيا باتجاه الفكر السوري القومي الاجتماعي , تأثير متبادل وتبادله حتمي , لكن من يتمنى للشعوب السورية التقدم , يتمنى لو رجحت كفة الحزب أكثر !.
سعادة ليس مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي فقط, انه من أهم مفكرين الشرق لابل أهمهم , فكره سيموت في السجن  عندما لايمكن الاستفادة   منه بالانفتاح    والتطوير ,   فكره    سيقبر    في   السجن  في انغلاقة وتقوقعه ثم تقديسة وتجميده .
توقعا  سيلعب الحزب دورا مهما جدا في سوريا المستقبل , السوري القومي الاجتماعي هو من أقدم احزاب المنطقة على الاطلاق , والسوري القومي هو الوحيد الذي تمكن من المحافظة على بقائة مايقارب قرنا من الزمن , الا أن بقاء الحزب بالرغم من مقاومة العديد من الجهات له وبأسايب اجرامية انتهت برصاصة الرحمة , لايعني مناعته ضد التآكل والذبول وبالتالي الموت , لابد للبقاء من التطوير , أي تطوير النظرة السياسية وحتى التاريخية والعقائدية والفكرية للحزب , تأليه سعادة وتقديس أفكاره هو من أسوء ما يمكن للحزب أن يتعرض له , تحويل سعادة الى نبي هو بمثابة الاعدام الثالث له !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *