ممدوح بيطار , سمير صادق :
كل ظاهرة سياسية أو اجتماعية -سياسية تتطلب مخزونا معرفيا لفهمها وتحليلها ,والانسان ميال بطبيعته الى التبسيط والى مقاومة ماهو جديد ,لأن الجديد يتضارب احيانا مع اتجاهات فكرية لرؤوس وعقول اعتادت على نمط معين من الفكر والتفكير وطرقه كالخرافة مثلا ولمدة طويلة ,حيث تصبح الخرافة جزءا من خواص هذه العقول, التي يفاجأها الجديد في غفلة من الزمن, يربكها ويأزمها ويصيبها بالخوف والهلع , خاصةعندما تكون تلك العقول مستقرة على تناول دواءا صالحا لكل زمان ولكل مرض , فالمؤامرة على سبيل المثال دواء عمومي لكل نكبة أو قصور أومشكلة , انها تعبير عن وجود أياد خفية قوية ومتربصة بالمنكوب أوالمهزوم ,عقار المؤامرة لذيذ ومريح وواسع الطيف في تأثيراته ومخفف للشعور بالفشل والعجز , لأن تلك الأيادي الخفية من ناحية قوية , ومن ناحية أخرى شريرة ولاتردعها عن القيام بالمنكرات أي أخلاق أو مبادئ .
المؤامرة مريحة جدا لأنها تسقط مسببات الكارثة على سوء الآخر دون المساس أو الشك بجودة الذات , فمن يتسلح بسلاح المؤامرة يعتمد في تسلحه على سلاح أو خاصة “الانكار” المعروفة في علم النفس, والتي تعني عدم الرغبة بمواجهة الحقيقة , لأن الحقيقة جارحة للنفس وللنرجسية الذاتية ,انكار الحقيقة هو بمثابة انكار لوجود المرض الذي يتم اسقاطه على الأيادي الخفية , هذا يعني على أنه متفوق على الأقل أخلاقيا على الظالم الخبيث الشرير المتآمر ,المظلوم بريئ من كل تلك الموبقات, من يتسلح بالمؤامرة يقي نفسه من النقد الذاتي ويضع أمام عينيه سدا لمنع تسرب الحقيقة الصادمة الى داخله , وهذا السد يمنع ادراك حقيقة الضعف والتخاذل عند المتآمر عليه ,الذي يحاول بذلك الالتفاف على الواقع وتجاهله , يمثل ذلك مؤامرة ذاتية تقود الى فشل بعد فشل وكارثة بعد كارثة.
المؤامرة أو الخطاب التآمري ليس الا وباء اكتسح العقول والقلوب , فكل التطورات التي تمر بها هذه المنطقة تخضع حسب المزاج الشعبوي الى نمطية واحدة تقسم اللاعبين على مسرح الأحداث الى طرف فاعل وطرف مفعول به , فالطرف الفاعل يملك أجندة خفية تملك الارادة والمقدرة على الفعل ,في حين يفتقر الطرف الآخر الى الارادة والقدرة على فعل أي شيئ ..مسلوب الارادة والفاعلية …مفعول به بشكل مطلق.
المؤامرة ظاهرة اجتماعية -فكرية تتعامل مع تفسير أحداث العالم بشكل غير تقليدي أو علمي واقعي , تخضع المؤامرة الى ضعف المعرفة من ناحية , ومن ناحية اخرى الى الخيال والأساطير والخرافات والتكهنات , خاصة عند عدم التمكن من معرفة الأسباب الحقيقية للحدث , ظاهرة المؤامرة قديمة جدا وكل الثقافات والحضارات القديمة تعرفها , كلما ارتفع مستوى المعرفة , انخفض منسوب الفكر التآمري والعكس صحيح .
يترافق عدم المعرفة أو على الأقل انخفاض المستوى المعرفي مع عدم الثقة بالذات أو عدم الثقة بالظروف المحيطة بالمصاب بمرض المؤامرة , توفر المؤامرة للمصاب بمرضها بعض الأمان الخداع بالذات ,فالفشل ليس ذاتي انما من صنع ايدي المتامر الخفية القوية , التي من المستحيل مواجهتها , انها نوعا من القضاء والقدر المنتشر في هذه المنطقة بشكل مكثف على الأخص منذ ١٤٥٠ سنة, ولربما قبل تلك القرون الأربع عشر الأخيرة , لأن تاريخ الجهل اعمق من ١٤٥٠ سنة , لكن ارتشاح العقول بالفكر التآمري ازداد في القرون الأربع عشر الأخيرة بشكل واضح , على الأقل لم يضمر الفكر المآمراتي بعد التأكيد الديني على وجود جبارا سماويا قيما على الصغيرة والكبيرة وبيده كل شيئ وقادر على كل شيئ , ومن ضمن مقدراته احداث الكوارث , التي يفسر المؤمنون ضرورتها بما يسمى “الاختبار ” , فالقادر على كل شيئ يختبر عبيده بخصوص مقدرتهم على تحمل مختلف أشكال الهلاك الذي اصابهم عن طريق زلزال مثلا , ولماذا يختبر الخالق عبيده بهذا الشكل المؤلم في معظم الحالات, وهو العالم بأحوالهم وتصرفاتهم وصبرهم ومقدرتهم على التحمل او عدم مقدرتهم على التحمل ؟.
الخالق متآمر لسبب في نفس يعقوب ومن ينوب عنه على الأرض يشبهه, اي أن الحاكم الفاسد مفسد الأرض شبيه بالخالق , فشل الحكام قدر مكتوب يعود مصدره الى قوة تتآمر عليهم , اي تتآمر على الشعب لأن الحاكم هو الشعب , الذي يمثله الحاكم , وبذلك ينضم الحاكم الى قافلة المظلومين, ويتم نفي علاقته بسوء مصير تلك الشعوب , انه ضحية مثلهم وله مالهم وعليه ما عليهم .
يمثل ذلك نوعا من وحدة المصير , لذلك على الشعب مرافقة الحاكم حتى غيابه في القبر , لقد مات ووضع الشعب في حالة موت , وحالة الموت لاتستقيم مع حيوية الحياة, وفقدان حيوبة الحياة لايسمح سوى بالتأخر والعزوف عن التغيير والتطوير , وبالتالي يتحول سوء المصير الى حالة مقبولة وممثلة لفوائد الانصياع للخالق الضامن لحياة الجنة الأبدية , هنا يكمن الذكاء وتكمن العبقرية في استبدال حياة فانية بأخرى ابدية , بغض النظر عن الفروق النوعية بين حياة الأرض وحياة السماء , وهل يوجد على الأرض حوريات متجددات البكارة ؟؟
