ممدوح بيطار , جورج بنا :
ذكرنا كتاب رياض رمزي “الديكتاتور بطلا” بصدام حسين , وفي هذا الوقت بيحيى السنوار وغيره من اشباهه وأشباه صدام حسين , ثم بين قطيع صدام حسين وقطيع السنوار , وكيف يتصرف من أصيبت “أناه”بمرض العملقة والتورم والتطرف والتوهم الخادع , التي أهلكت بلدانا وشعوبا , اوهام صدام وأوهام السنوار خادعة ضبابية , رافقت صدام حتى الرمق الأخير وسترافق السنوار ايضا حتى رمقه الأخير .
في تحليل شخصية السنوار وشخصية صدام يمكن الاعتماد على نظريات المفكر المالطي ادوارد دي بونو ونظريته المسماة ” التفكير الجانبي” , والتفكير الجانبي يعني محاولة ايجاد الحلول للمشاكل بمقاربات ابداعية غير مباشرة تقتضي الخروج عن المنطق المألوف , الذي يعتمده ” التفكير العمودي “منهجا في حل المشاكل, منطق التفكير العمودي تقليدي يرفض الخيال والتصورات الغير مألوفة .
جوهر الأمر كان مفهوم البطولة , الذي ترسخ في ذهن صدام وفي ذهن السنوار ايضا , وفي الصعود المدوخ لكل من صدام والسنوار , بحيث يمكن تشبيه الثنائي سنوار وصدام حسين بهتلر وغيرهم من العتاة المجرمين المتجبرين , فمن اين أتت لوثة صدام ولوثة السنوار , والأخير كان مبدعا في توحشه وجنونه , السنوار كان من قتل حوالي ٨٠٠ فتحاوي بالقائهم من على سطح بناء شاهق على الأرض , السنوار كان من خدع غزاويا ليطلب من أخيه المعارض للسنوار بتسليم نفسه للسنوار لكون مشكلته قد حلت , سلم الشخص نفسه , وبعد التسليم أمر السنوار الشخص الذي تمكن من اقناع اخيه بتسليم نفسه , بدفن المطلوب من قبل السنوار حيا من قبل أخيه , لقد كان السنوار بهذا الخصوص مبدعا , كما ابدع صدام حسين بتقتيل آلاف العراقيين بطرق غريبة عجيبة ومنهم صهره الهارب , الذي تم قتله بطريقة مشابهة لدفن الأخ لأخيه حيا بأمر من السنوار.
يسأل كاتب الكتاب من أين أتى ذلك التفنن في ممارسة الديكتاتورية والقتل بأساليب غير مألوفة , هل شعر هذا الثنائي وأمثالهم بكونهم ورثة فكرية لأبطال حفرت اسمائهم في الذاكرة الشخصية لكل منهم , وظلت تمدهم بالأوهام والتخيلات , التي من الصعب أن تجد طريقها الى أرض الواقع ؟أو أن مفهوم التفكير الجانبي هو المسؤول عن ابداع هؤلاء في اختراع افكارا غريبة جدا في لحظة اختطاف التفكير العمودي , الذي يعتمد على تصورات منطقية للواقع ولعواقب القيام بعمل ما , حتى طارق عزيز وزير خارجية صدام اعترف بأنه لا يعرف كيف اتخذ صدام قرار اجتياح الكويت , ونفس التساؤل يطرح عن اتخاذ قرار غزوة ٧-١٠ في منطقة غلاف غزة.
قد يكون الجواب في حالة الكويت, أن السفيرة الأمريكية أوحت لصدام بأن امريكا غير مهتمة بالكويت ومن يحتل الكويت , ولكن في حالة غلاف غزة فيقال أن السنوار لم يستشير احدا على الأطلاق , على الرغم من صعوبة تصور ذلك , رأى الكاتب أن عصاب “البطولة ” كان المسؤول عن قرار غزوة الكويت , هنا نظن انه من الممكن اسقاط ذلك العصاب اي عصاب “البطولة ” على غزوة غلاف غزة, فالمحرك لذلك العصاب كان في كلا الحالتين فكرة “البطولة ” , التي اختطفت عقل كل منهما بشكل مطلق , كلاهما لم يتمكن من التفكير سوى ” بالبطولة ” , حتى في موته فضل صدام حسين الاعدام رميا بالرصاص بدلا من الموت شنقا , فالموت رميا بالرصاص كان حسب ما يمكن تصوره عن طريقة تفكيره ميتة “رجولية ” تقترن بالشجعان الصناديد لا بالمجرمين الأوباش.
يعتقد الباحث أن تعرف صدام المكثف على السير القديمة والمغازي , اعطته سبيلا للهروب من عالم الفقر المدقع الذي عاشه في طفولته , وذلك ينطبق على السنوار الذي اراد تقمص شخصية عنترة وأشباهه الى درجة التماهي مع هؤلاء الأبطال الوهميين , بحيث شكل ذلك حاجزا بينهم وبين العالم الواقعي الذي يعيشون به ,للبطولة هنا بعد ومضمون جاهلي يعود الى نماذج قديمة جدا .
لم يكن السنوار ولم يكن صدام معنيا بشكل حقيقي بقضايا شعبه انما بمجده الشخصي حيا أو ميتا , لا نظن بأن ايا منهما فكر ولو للحظة بأنه سيفارق الحياة يوما ما , انهم سينتقلون الى امجاد حياة أخرى , هؤلاء المغفلون مغلفون عقليا بغلاف الجهاد والحياة الأبدية , تصوراتهم ليست بعيدة عن التصورات الشعبوية الايمانية السائدة في هذه المجتمعات , الا انهم يمثلون ذروة هذه الخرافات .
وقف الباحث عند أغنية للأطفال تنطوي على قصة معبرة تقول “بسبب سقوط المسمار فقدت الحدوة ,وبسبب غياب الحدوة سقط الجواد, وبسقوط الجواد سقط الفارس , اختطف الأعداء الفارس وذبحوه “, لم يكن السنوار ولم يكن الديكتاتور صدام سوى مسمار منخور في حدوة قديمة متآكلة أفضت إلى قتل الفارس, وذبح الوطن من الوريد إلى الوريد.