ميرا البيطار , جورج بنا :
ا
هناك في الصراعات المحلية عدة جبهات ,منها الجبهة الاخوانية
التي تتقوى بالمقدس وتوظفه في خدمتها على ساحة صراع شعبية بسيطة تخشى لأسباب ايمانية نقد المقدسات وتفكيكها ,المعركة عمليا بين أهل “التكبير ” مضافا اليهم الرسل والقرآن والتراث وبين أهل “التعبير ” بدون اضافات مقدسة وبدون رسل وصحابة وتراث.
يملك التيار الاخونجي السياسي حضورا ليس هامشيا في الحياة الاجتماعية لشعوب المنطقة , ويطرح نفسه من خلال تزاوج الدين مع السياسة كدولة مبنية على الشريعة, يحتكر الاخوان السياسي بمساعيه الدينية والسياسية التراث ويوظفه في مشروعه ,يقدسه ويتعامل معه توحيدا وواحدا وموحدا ,بالتالي يكفر كل شيئ غيره ويجعل الغير عدوا له ويخلق وضعا انعزاليا عدوانيا ,لاتنفع في التخفيف من حدته وصفات الترقيع من تسامح وتعايش وطمأنة ووعود , سرعان ما ماينقلب التسامح والتعايش والوداعة الى وحش الشريعة المنفلت عندما يتثنى للاخوان السياسي أن يحكم .
لا يهدف الاخونج الى أسلمة الدولة فقط ,انما الى اسلمة المجتمع ,من خلال فرض قواعد خاصة للحياة اليومية , التي على غيرالمؤمن الالتزام بها قسرا وقهرا ,هوية المجتمع هي هوية الغالبية ,والغالبية تعني في قاموسهم “الغلبة” والتغلب هو الذي يملي وما على المغلوب الا الانصياع ,لايمكن للاخونج الا أن يهيمن على الآخرين عندما يحكم ,اذ أنه من غير الممكن أن يمارس الاخونج المساواة بينه وبين أتباع انتماء ديني آخر عندما يعتبر الاخوان الآخرين كفرة ,عدم قطع رقاب الكفرة أو تأجيل بتر رقابهم هو نوع من مكرماتهم ,انه تنازل عن حق من حقوقهم,انه لطف وعطف ,أو مايسمى سماحة , في ظل دولةالاخوان قد يعيش الآخر, ولكن كضيف او مستوطن وليس كمواطن من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة ,ليس للمواطن الدرجة الثانية وما فوق أن يعارض مثلا لأنه أولا من الأقلية وثانيا لأن الدين الحنيف لايسمح أصلا بأي معارضة .
انبثق التوظيف السياسي للمقدس الديني خلال حفبات عدة منها مثلا حقبة الفتنة الكبرى ومعركة صفين , الا أن ابعاد التوظيف السياسي التي نلمسها ونعرفها اليوم حديثة بعض الشيئ , انها من انتاج خطاب دعاةالاخونج السياسي الحديثين بدأ من سيد قطب وليس نهاية بالقرضاوي.
مهما كانت ظروف توظيف المقدس في السياسة ومهما بلغ اضراره بالآخر,بالنتيجة يمكن القول على أن المحمدية كدين كانت ايضا ضحية من ضحايا هذا التوظيف ,فالدين والسياسة يشكلان ثنائية متنافرة, تنتج صراعات سياسية واجتماعية , وتلحق أضرارا بالغة بالقيم التي تنظم علاقة الدولة بالمجتمع بشكل عام , الدولة تصاب بالتشوه من خلال تعرض كينونتها الأرضية الى تأثيرات سماوية بعيدة عنها وعن طبيعتها بعد السماء عن الأرض.
مهما حاولنا تبرير أو تلطيف اسباب التأخر في هذه المنطقة , لابد لنا الا أن نصطدم بخلطة الدين والسياسة المتناقضة والسامة القاتلة , لم يحسن االدين السياسي للدين ,ولم يحسن للسياسة , قيادة الدين للسياسة تنتج منهجية متجمدة وثابتة لايمكن أن تتوفر بها شروط السياسة التي هي فن الوصول الى الممكن , لذلك فان توظيف الدين في السياسة عمليا توظيف الدين في قيادة البلاد , هذا التوظيف نسميه مجازا “سياسة” ,والسياسة بمفهومها الكلاسيكي براء من الدين , تعبير الاسلام السياسي هو تعبير يحمل التناقض في ذاته ,اذ لايمكن للسياسة التزاوج مع تجمد الدين وقطعيته ,ولا يمكن لتجمد الدين التزاوج مع مرونة وديناميكية ونسبية السياسة , أي لاسياسة في الدين ولادين في السياسة .
ضعف الأداء السياسي كان أحد مسببات انتهاك الدين لحرمة السياسة ومحاولة الحلول محلها ,حتى أن التعابير والمفردات تغيرت بالشكل المناسب لحلول الدين محل السياسة , ففي الأدبيات السياسية كان من المألوف سماع مفردات أو حوامل لغوية مثل رجعية أورأسمالية أواشتراكية أو علمانية أو علمية أو عمالة ..الخ ,الآن كثر استعمال حوامل لغوية أخرى كالكفر والزندقة والردة والحد والزكاة والجزية والشورى والبيعة والمبايعة والعهد والولاية ..الخ ,ومن يتابع مايكتب في مواقع التواصل الاجتماعي يكتشف فورا عمق الكارثة,فمهما كان موضوع النقاش تراهم يلجؤون فورا للبرهنة عن صحة توجههم الى نصوص دينية ملوية الرقبة وتتوافق مع رؤية الدين ,يضعون الدين والأيات والأنبياء والصحابة والأحاديث في مرمى نيران معارضيهم ,وعند التعرض للدين والآيات يجن جنونهم , يعتبرون ذلك في كل الحلات طعنا وازدراء بالمقدس الديني ,انهم لايناقشون الفكرة انما يهتمون بتصنيف صاحب صاحب الفكرة ان.كان مؤمنا أو كافرا الخ, انه زنديق لكونه ليس اخونجي , وأفكار الزنديق زندقة , الغرب كافر لذلك أفكاره كفر, ,يتهم من ينهي عن أسلوب الشخصنة وتجنب الأنفعالات وينصح بالموضوعية والعقلانية والواقعية بالخيانة والعمالة والعلمانية ,حيث أصبحت العلمانية “تهمة”.
لايفهم الاخوان العالم, ولا يفهم العالم الاخوان ومنهجيتهم الغبية والمخبولة بالدعاء والتكبير,لم يقض عليهم للأسف الا بعد قضي على الأوطان على يدهم !