سردية التسامح والغلبة الغالبة !

نبيهة  حنا ,ممدوح  بيطار :

في يوم التسامح.. افتتحت قناة السويس وسالت الدماء     بعكس سردية التسامح والتآخي والتفهم   تعاني   شعوب  هذه  المنطقة   التي تعيش حقائق التنوع المذهبي والعرقي من اشكالية “الانسجام” , وجود هذه الاشكالية واختلاطاتها الكارثية يؤكد حقيقة   الفشل  في ادارة واقع التنوع بشكل يؤمن للجميع الفائدة  من هذا التنوع , التنوع الذي هو نعمة تحول الى نقمة , ماكان له أن يكون نافعا تحول الى ضارا, والسؤال هنا هل التعددية  حصرا هي سبب الاشكالية في مجتمعاتنا ؟؟ أو أن الأمر يتعلق كليا بفشل ادارة  التعددية  في تحقيق أدنى حد من “الانسجام” الضروري لتحقيق التضامن والتكاتف في اطار المواطنية بين مختلف فئات الشعب. 

 اانطلاقا من وجود المشكلة الكارثية ومن الحقيقة التي تقول بأنه لايوجد في الدنيا شعبا أو مجتمعا يتصف بالتجانس المطلق , وحتى ان انتماء الجميع الى الدين   الحنيف  أو انصياع الجميع قسرا أو طوعا للشريعة  لايعني الوقاية من التضارب الداخلي والتنافر وحتى الحروب بين مختلف فئات هذه الشعوب , وتاريخ   القرون   الأربع  عشر  الأخيرة  خير شاهد على ذلك , تاريخ الشعوب الأخرى ونجاح هذه الشعوب في تحقيق الانسجام بين مختلف فئاتها برهن بأنه لاعلاقة للاشكالية  بالتنوع  وانما بادارة هذا التنوع, الذي لامناص من التعامل معه كواقع لايمكن تجاهله أو حذفه . 
 ألطائفية والطوائف والتفكير الطائفي الذي يترجم انتماء البعض ليس بالمشكلة الأساسية ,المشكلة الأساسية تكمن في ترتيب الانتمآت , هناك الانتماء الأول والثاني والثالث  الخ ,وانتماء الانسان لايقتصر على الانتماء  للوطن أو  للمذهب ,هناك انتماء فكري واقتصادي وجهوي وحتى عائلي الخ , الى جانب الانتماء للمذهب والانتماء للوطن, والمنافسة التي تحسم الأمر هي بين المذهب والوطن , تقدم الانتماء للمذهب على الانتماء للوطن يعني خراب الوطن , لأن الوطن هو وضع اعتباري شامل للكل وينهض على أكتاف الكل وتجزأة الأكتاف الحاملة للوطن يعني سقوط الوطن , ولا ينهض الوطن الا بتقدم الانتماء اليه  على بقية الانتماءات  , فمجتمع الطوائف لايستقيم مع مجتمع الوطن الذي لايرفض طوائف المجتمع وحتى استقلاليتها في الصف الثاني من  الانتمآت . 
هناك فرق كبير بين مجتمع الطوائف وبين طوائف المجتمع , وهذا الفرق هو بيت القصيد في النجاح باقامة “وطن “ أو الفشل في مشروع الوطن, يبدأ الفشل بممارسة الطائفية المعكوسة , أكثرية مذهبية تعتبر بأنه من حقها الطبيعي أن تسيطر وتطبق مشاريعها على الآخرين , تهيمن بعدديتها على واقع التعددية وتميز بينها وبين بقية أطراف التعددية لأنها أكثرية وطغيانها هو نوع من أنواع القدرية الطبيعية ,والنتيجة هنا هي حتمية انزواء الآخرين في العزلة والتقوقع حماية لهم  من طغيان الأكثرية العددية المذهبية  , هنا يفقد الشعب خاصته الاجتماعية ويتحول الى كيان ظالم-مظلوم وما أندثار هذا الكيان الا مسألة وقت , عندها يقال على أن الانتماء الثاني أجهز على الانتماء الأول , أي على الوطن الجامع للجميع, القضاء على جامع الجميع يعني القضاء على المجتمعية ويعني ولادة الشعبوية والجهوية والعشائرية والعائلية ,أي العنصرية بمختلف أشكالها وألوانها , فبعد تخريب المجتمعية واندثارها تأتي الجغرافيا , التي عليها أن تستقيم مع الأقسام , أي  تقسيم القسم الى أن ينتهي الأمر بالاندثار .
لايمكن اقامة مجتمعا يتصف بقدرية الهيمنة , لأن داء الهيمنة سيقود بفعل الاقصاء الى العزلة أي الى التقسيم الواقعي الاجتماعي  والى حتمية التقسيم الجغرافي , ولو نظرنا الى المجتمعات التي تعرضت الى التفتت والتشرذم سنرى  العديد من القواسم مشتركة بين بعضها البعض, ومن أهم  هذه القواسم المشتركة هي توسيع “دائرة المقدسات”, ولهذا التوسيع يلجأ الطرف المهيمن والطرف المهيمن عليه ,كل  لهدف معين !, فدائرة مقدسات كبيرة تضع في يد المهيمن سلاحا اضافيا  لممارسة الهيمنة , وعلى المهيمن عليهم تنطبق نفس الآلية , انهم يوسعون هذه الدائرة طلبا للحماية , وما يلاحظ ايضا هو ضمور دائرة المقدسات في المجتمعات المستقرة , فكم هي دائرة المقدسات في  هذه   المنطقة  كبيرة , وكم هي دائرة المقدسات في  المجتمعات  المستقرة ضيقة الى حد الانعدام أو عدم  الوجود  . 

  تقف المقدسات بوجه بعضها البعض متنازعة متقاتلة ومتعادية , همها الأول هو تدعيم الحالة الحاضرة المنتجة لثنائية الهيمنة والعزلة , انها حالة مفهوم خط الدفاع الثاني , الذي يعبر عن انهزام خط الدفاع الأول الذي هو الوطن الجامع,   وترجمة  لنجاح الطوائف العابر والمرحلي في تكريس وضع عابر ومرحلي تنتصر به وينهزم الوطن ! انتصار عابر ومرحلي , لأن الطائفية  لاتعرف   الا  تكاثر  طوائفها وانقساماتها  وتفريخ طوائف جديدة ,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *