ممدوح بيطار , مها بيطار :
ولد مفهوم الثوابت من رحم الفكر الأصولي الديني , الذي يتحفظ على أي مبادرة أو خطوة باتجاه التطوير والتغيير باتجاه واقع متجدد , تمثل مناهضة التأقلم مع الجديد رفضا غبيا للواقع ومحاولة لتكريس هيمنة أصحاب دكاكين الثوابت وتحقيق مصالحهم ,انهم الأوصياء على المقدس الذي هو أساس الثوابت , وسيخسرون العديد من الامتيازات عند التحرر من أسر الثوابت ومن منهجية الانصياع الأبدي للثابت , المتحول يحول بضاعة اوصياء المقدس الثابت الى بضاعة منتهية الصلاحية والفاعلية , لذلك يمكن تفهمهم , فمعارضتهم ومقاومتهم للتطوير تمثل بالنسبة لهم حاجة حياتية أساسية , ليس بامكانهم اهمالها أو التخلي عنها بسهولة .
الثوابت رمز وترجمة لحالة اللاحرية, فالثابت يقلل من امكانيات ممارسة الحرية , لأنه يقيد الفكر والممارسة بمفاهيم تقيد الفكر والممارسة , وتمنع الفكر والممارسة من الانفتاح على أفق جديدة , بالتأكيد أفق مغايرة للأفق القديمة , لأن الفكر والممارسة هم نتاج التفاعل مع الواقع ,والواقع المتغير حتما يتطلب أفق جديدة مغايرة للأفق القديمة , اضافة الى ذلك فالثوابت قاتلة لمبدأ المساواة , فكيف يمكن مساواة المفهوم الثابت والمقدس عادة مع الفكر الغير مقدس ؟, ولما كان الانسان واحدا في عضويته وتكوينه التشريحي وما يميزه عن الآخر تفوقا أو دونية هو الفكر الذي يحمله , وتقسيم الفكر الى مقدس مبجل ومدنس مبتذل يعني تقسيم البشر الى طبقة من فوق البشر والى طبقة من تحت البشر , وكلاهما لايمت للبشر بصلة .
يمكن القول مجازا بوجود ثوابت في المجتمعات الأخرى وخاصة الغربية , هذه الثوابت تخص المساواة والحرية , والثابت في المساواة والحرية هو المتحول في هذه القيم , بشكل عام تختلف ثوابتهم عن ثوابت شعوب هذه المنطقة , التي تبرر عدم المساواة وعدم الحرية وتبرر العنف وحق االقوة .
وظيفة حجة الثوابت التي ستنسلخ يوما ما عن الواقع المتطور , هي ايقاف التطور ,عن طريق الرقابة الحازمة على الفكر الواقعي , ومحاصرة الفكر المؤسس على الواقع ومعاقبة الذين يأخذون الواقع بعين الاعتبار عن طريق ملاحقتهم وحتى قتلهم لخروجهم على الثوابت , وهل توجد في العالم العربي حربا الا ولها علاقة وثيقة مع رجال الثابت المقدس ؟
الفكر الأصولي, الذي يحارب التقدم بكل الأسلحة لايطور نفسه بل يريد التحكم بالواقع وجعله مطابقا للأصل الثابت , العنف أو الارهاب المرتكز على دوغماتيكة المقدس والمدنس لايقبل الواقع وما ينبثق عنه من أفكار ,انما يفترض اصابة المجتمع بالجاهلية وما على العنف والارهاب الا أسلمة مجتمع الجاهلية الجديد , افتراض الجاهلية هو ذروة الهذيان الأصولي الذي بلغ في هذه الفرضية مرحلة الغاء الذات , وما هو المسبب لجاهلية الجميع باستثناء الأصولية ؟ , واذا كان من الضروري الغاء الجاهلية , فيجب أولا الغاء الأصولية التي تمثل جاهلية الدعوة منذ ١٤٠٠ سنة, التي لاتختلف عن جاهلية قبل الدعوة بالكثير .
اذا كانت الثوابت قاتلة للمساواة والحرية فانها وبالدرجة الأولى قاتلة للنقد , ثقافة الثوابت حلت في هذه المنطقة التعيسة محل ثقافة النقد , والثوابت عصية على النقد , بل انها مجرمة للناقد الذي قد يفقد حياته لأنه تجرأ على الثابت , ثقافة النقد تحولت الى متتهى الهامشية , حذار من التطاول على الثوابت !!!, أقامت الأصولية الحصون والقلاع لمحاربة النقد وتجريمه , بحيث أصبح الهذيان الأصولي سلطة تمارس العداء للتاريخ والتطور , الصادم في الأمر هو حدوث ذلك في القرن الحادي والعشرين وبعد قرون من ولادة ثقافة الواقع ورفض ثقافة الثوابت عالميا , ازدهرت أوروبا لأخذها بمبادئ ابن رشد , وتأخرنا لأننا أحرقنا كتب ابن رشد وأرسلناه االى المنفي الذي توفي به .
لا أعتقد بمقدرة ثقافة المقدس والثوابت ايقاف صيرورة الخروج من الدين والدخول في التاريخ , الخروج من الدين لايعني الغائه وانما يعني التصدي لعدوانه … حارب الدين وثوابته المرأة شرقا وغربا , وبالنهاية تم تحرير المرأة في معظم أنحاء العالم من الذكورية ومن تحالف الذكورية مع الدين , ان سارت ايران والسعودية وغيرهم بالفتاوى فالعالم لايسير بالفتاوى,والسائد في العالم هو الانسان الذي نجح في تطوير الحياة الى الأفضل , انتصر الجهاد الارهابي في معركته مع حياة البعض كفرج فودة, ولكنه لم ينجح في ترقية حياة الانسان بشكل عام , كم يجدر بنا التفكير بثنائية النجاح في الحياة -الانتصار في الحروب والفرق الشاسع بينهما !