هل بقيت سوريا دولة, وهل يمكنها أن تصبح دولة ؟

     السؤال  بشكل أدق , هل سوريا جديرة بأن  تصبح   دولة ؟ الاجابة هي بالنفي,  لأسباب سوف يتم ذكرها ,       الشروط التقليدية   لاقامة  دولة واستمرار هذه الدولة في الوجود ,  هي الأرض ثم السكان أي الشعب   أو   المجتمع  , ثم  الحكم  والاستقلال  , وما من شك  تتوفر في سوريا لتصبح دولة العديد من الشروط منها الأرض والسكان  , أما الحكم  والاستقلال فحولهم يوجد الكثير من علامات الاستفهام.
 أكبر الاشكاليات   تخص السلطة   أو   الحكم ,  الذي  برهن   عن عدم جدارة  في   رعاية ”   الدولة “  ,   الاشكاليات خصت   بالدرجة   الأولى   مفهوم الحق والقوة , فما يحكم   الجماعات   المبعثرة  والقبائل  هو حق القوة ,أما ماينظم الدولة    بمفهومها      الحالي   فلا يمكن أن يكون  حق القوة المنسجم مع  قوة الفرد,  وانما قوة الحق المنسجمة مع  سلطة  او حكم  الجماعة  , قوة   الحق ترتكز على العديد من الأسس  منها مبدأ المساواة   بين الناس  , ثم مبدأ احتكار هذه الدولة لوسيلة العنف المشروع , فالدولة  هي تجمع مهيمن  ذو طابع دستوري وقانوني وديموقراطي   ومحتكر  للعنف الفيزيائي  ضمن جغرافية معينة وشعب معين في  ظل  الحق والقانون  , أو بتعبير آخر “دولة الحق ” , التي يعتمد وجودها على ثلاثة خصائص   هي القانون والحق  والفصل بين السلطات. 
   لو  أخذنا السلطة السورية الحالية, التي عليها رعاية الدولة  واعطاء الكيان الجغرافي البشري السوري   صفة الدولة,  نجد  ان مايميز هذه السلطة  هو  عدم   تمكنها  من  التعامل مع الجميع  بمبدا المساواة,  وذلك لأن هذه السلطة تريد التابيد , لذا فهي  مضطرة  لايجاد جماعة أو فئة  تريد  أيضا التأبيد معها ,ولكي    تنتظم   تلك    الفئات مع   السلطة  فيمصلحة  واحدة   يجب  تقديم مشجعات لهذه الفئة  , والمشجعات تعني الأفضليات والامتيازات , ووجود الامتيازات يقود عادة الى انعتاق عامل  العنف من احتكارية   الحكم  , اي ولادة العنف اللامشروع الى جانب عنف  سلطوي فقد شرعيته وأخلاقيته , هذه هي حالة سوريا الآن , فالعنف الفيزيائي في سوريا تعمم  ولم يعد في يد    محتكر   شرعي   له , المسؤول  عن هذا الانفلات هي السلطة الغير جديرة بقيادة  أي بلاد  وهذه البلاد خاصة,    السلطة  دمرت  صفة “الدولة”  التي استحقها الكيان   السوري  ارضا وشعبا  وكان    بالامكان    اقامة    دولة    سورية   بعد    الحرب   العالمية   الأولى   ,  ليس فقط عن طريق فقدانها  لشرعية احتكار العنف  وتعميم   العنف  , انما  من خلال فشلها  في التعامل مع  الحريات, فالسلطة اغتالت الانسجام  الضروري بين الحريات  ,  أي  حرية المواطن,   التي   تنتهي عندما تبدأ حرية المواطن الآخر   ,  عرف السلطة وقانونها  الغير   مكتوب هو  الحرية  الكاملة  والغير منتقصة   والأفضل القول   الانفلاتية   الكاملة والغير منتقصة  للبعض في   ممارسة  استعباد    الآخر  ,   لقد   كان    هناك   دائما  هناك   دائما  نفس السجان   ونفس السجين.
    في   ظل    القبلية     العشائرية   مضافا   اليها    الطائفية   تطور   الفساد  الى الأسوء بتزايد  قياسي ,   تطور الفساد بهذا الشكل تحت  قيادة تصف نفسها بالحكيمة لايوحي بشيئ من الحكمة  , لقد  تبين   على أن السلطة  لاتتعامل مع  الفساد كموضوع يقع خارجها  , انها لاتتعامل مع الفساد وانما هي الفساد بعينه  ,ولا يمكن   للسلطة أن تستمر الا  في مستنقع الفساد , لذا فان  استفحال الفساد  أمر  منطقي , وليس للسلطة   امكانية التصحيح(كما في الديموقراطية ) ,فالتصحيح يميتها ,   لذا  فان موضوع الحفاظ على  سمة الدولة في سوريا وفي ظل   فساد  أسطوري   هو أمر  مستحيل, واستحالة  استمرار سوريا  هو البرهان القطعي  على عدم جدارة هذه السلطة  بقيادة “دولة”السلطة”, التي   احتضنت  العصابات من   شبيحة  وذبيحة, وتبنت    فلسفة   غنائم    الحرب واجاعة     الناس ثم    التدجيل   بخصوص   انتصارات   هذه   السلطة   في  كل    المجالات    خاصة   بالانتصار    في   حروبها   الكونية   على   ما لايقل   عن ١٣٠   دولة   من    بينهم  دولا   عظمى    ,   السوري يلتهم    “انتصارات ” بدون مقابل  , الخبز غال   ليس  بامكانه    شرائه ! 
  عودة الى الدولة  وأشكالها , فالدولة في طبائعها هي شكل من أشكال الهيمنة المؤسساتية ,  وسوريا      في    عصر   الخلافة   وفي   عصر   السلطنة لم    تعرف   المؤسسات   ,  فالشكل القبائلي  الشخصي   البدائي  لهذه الهيمنة    ليس  مؤسساتي  , في   هذا   الشكل  لاوجود سوى    للشخص   زعيم     القبيلة   الابدي    المورث  الوارث   ,  ففي  ظل نظام   كهذا   النظام البدائي لاحاجة للقانون,  فالقانون    هو نزوات    الزعيم    القائد    الى   الأبد   . 
تقول  السلطة     عن   نفسها   انها  سلطة  جمهورية تمثيلية , لكنها  استولت  على السلطة   عسكريا   انقلابيا  ,  وتحولت  الى   استعمار   داخلي   مهمته  قهر   الانسان    والفتك   بالحريات   والعدالة   الاجتماعية   ,   ثم     تزوير   الانتخابات    الشكلية ,  التي   لم   تكن    سوى   مهزلة   تهريجية   اطلق   عليها   اسم     أعراس   الديموقراطية ,  نال     الرئيس    بها     ٩٩٪ من    الأصوات, بالرغم     من   كون     الرئيس   متقدم   على   الخالق   في   شعبيته   ووقوف    الشعب   ورائه  , كان من الضروري   لسلطة تدعي تمثيلها الواسع والعميق للشعب  أن تلغي الجرائد وتمنع الأحزاب  وتدستر   قيادتها الأبدية  للدولة والمجتمع  وتعلن الطوارئ وتسجن الناس  وتعذبهم  ثم  تنتهج العنف  اللاشرعي , وذلك بالرغم من  عدم وجود منافس لها ولا من  يخاصمها من أجل كرسي السلطة , الجيش كان المسيطر , وهذا الجيش   مؤيد وموالي للسلطة,  انه  جيش   السلطة  وليس   جيش   سوريا   الدولة .
    لاحاجة    لمن   يقف  ورائه   ٩٩٪  من   الشعب   لأن   يقلق   ويخاف   على   الكرسي   ,   الخوف   على    الكرسي    هو   برهان   قطعي    عن    الفشل   وعن  كون   نسبة   ٩٩٪   ليست   سوى     كذبة   وتزوير   ودجل ,    وبذلك   تعتبر    هذه  النسبة   الأسطورية   برهانا   على   عدم   شرعية   هذه   السلطة  وعلى   كون  النظام      وعنفه    سارق   للسلطة , لايمكن   ان   تكون   ردة  الفعل    على    عنف   النظام الا    العنف,    الامتثال   والاستسلام   للاستبداد  اشد   ضررا   من    مجابهته    بالعنف   , وذلك   بالرغم   من  أن  قوة    العنف   لاتقارن   بقوة   اللاعنف,  الا   أن   ممارسة   العنف   تبقى  بالرغم   من   خاصة   غريزية   تاريخية    بشرية .   

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *