جدلية استحالة الديموقراطية !

  سمير صادق,ممدوح   بيطار :

طرحت الحركات القومية التي نشأت في ظروف  بعد  الاستقلال  عدة  مشاريع , تمحورت كلها حول فكرة وضرورة الوحدة   العربية ,  لم   يكف  القوميون العرب   لحظة عن الترويج لهذه الوحدة , وبالرغم من ان مشروع الوحدة تبعذق واندثر تحت أقدام عنصرية القومية العربية , التي أيقظت عنصرية القوميات الأخرى , كالكردية   والأمازيغية  ..الخ , لم ينتبه القوميون العرب على قرب نفاذ ذخيرة الفكر القومي كمحرك للسياسة ثم لم ينتبه القوميون العرب , على   أن شعاراتهم الزاعقة لم تقود الا الى المعارك والخلافات العربية-العربية , والى نشوء الحركات الانفصالية , كما لم ينتبه القوميون العرب على أنه لامعنى لشعار الاشتراكية بدون بنية تحتية يمكن ان تتقبل تطبيقا للاشتراكية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , كيف لمجتمع عشائري بدائي بدوي صحراوي أن يمارس اشتراكية علمية   تخصصت في حل مشاكل مجتمع صناعي , والأعراب بعيدون عن الصناعة بعدهم عن الشمس والقمر .

 لقد كان للفكر القومي العربي أن يطور نفسه باتجاه الديموقراطية ! هل هذا ممكن ؟؟ , وهل ترتيب الوحدة أولا ثم الاشتراكية , وبعدها تأتي الديموقراطية تلقائيا صحيح ؟؟ ,وهل يمكن القول أيضا باستحالة الديموقراطية في جو قومي ثوري تلفيقي ؟؟,للاستحالة  الآن   عدة    أسباب , منها تحول الفكر القومي الى أسير لدى فكرة الوحدة الخلاصية ,وهناك من يقول(جورج طرابيشي) ان الحركات القومية العربية , كانت غير ديموقراطية , لأن الممارسة السياسية والتاريخية دفعتها لأن تكون كذلك , ولأن طبيعة بنيتها وتوجهاتهاالأساسية لاتسمح لها على الاطلاق أن تكون ديموقراطية ولو أرادت !هل هذا صحيح؟؟.

 الفكر القومي معرض للتنكص العنصري , خاصة في شعوب ذات مقومات قومية متعددة , والفكر القومي لايستطيح في حالة التنكص هذه أن يكون ديموقراطي , لأنه عنصري في أساسه , وازداد عن طريق ايقاظ عنصرية القوميات الأخرى   تشاحنا معها , وليس تلاحما واندماجا معها , لذا فان مقولة طرابيشي التي ترى استحالة ولادة الديموقراطية من رحم قومي صحيحة , والديموقراطية التي لها أن تولد من رحم قومي مصيرها التحول الى أسطورة , كم تحولت فكرة الوحدة والاشتراكية الى أسطورة .

 الديموقراطية هي الرحم , الذي يجب أن تولد منه القيم   والتقدم , نظرة واعية تقارن بين الغرب والشرق قد تكفي لفهم هذه الاشكالية , ففي أوروبا نشأ فكر قومي , اقتدى  به   العديد من القوميون العرب ..أنطون سعادة ..ميشيل عفلق ..الخ , وقد قاد هذا الفكر القومي عن طريق تنكصه العنصري الى الحروب العالمية الأولى وخاصة الثانية , وبمقابل الحروب الأوروبية -الأوروبية يمكن التنويه الى الحروب العربية -العربية في ظل التفكير القومي , انقضت الحروب التي خربت أوروبا بشكل شبه نهائي , ولم تكن   الخلافات والحروب العربية -العربية أقل كارثية بكثير , نفضت الشعوب الأوروبية غبار الحروب واستقرت في دول كثيرة الديموقراطية وقليلة أو معدومة الفكر القومي , في ظل   الديموقراطية وفي ظل اندحار الفكر القومي , استطاعت هذه الشعوب تحقيق وحدة تزداد يوما بعد يوم تراصا وثباتا , وفي ظل الديموقراطية انتهت اشكالية التناحر والتشاحن القومي , وانقراض هذا التشاحن سمح بمزيد من الحرية والمساواة والتقدم ..هذه كانت المسيرة الأوروبية الناجحة , مقارنة بالمسيرة العربية الفاشلة .

 فشل الشرق في تأسيس دول متقدمة , تقدم لشعوبها مستويات لائقة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا , لا يعني نهاية المطاف , لايوجد شعب الا وفشل يوما ما في مشروع معين , الآن لاتوجد ديموقراطية , الآن  تقف   الشعوب  على الخراب وعلى أنقاض الخلافات والحروب ..الآن يجب  على   الشعوب  القفز فوق الزمن ..  عليها  الاستفادة من خبرات  الآخرين في تنظيم أمور الحياة .

 من سوء   الحظ استيقظت الأصولية بشكل فاحش , منبرية لأي تقدم ديموقراطي ومتحدية رغبة الشعوب والحاحها على القدرالأدنى من الديموقراطية والحرية , أصولية تجثم على رقبة الشعوب العربية , وتريد سحق هذه الشعوب بأثقال الماضي المريب ..الشريعة ..الشورى ..الشوارب والذقون .رجال الدين وفلسفة  الاخونج  ..الغنوشي والقرضاوي ..والعرعور وغيرهم ..الولاية والخلافة وأمير الؤمنين وسرقة الثورات والاغتيالات وعدم الاستقرار ..تجييش الطائفية وخلق وضع يتجه الى الوراء وليس الى الأمام , ويتمنطق بمنطق العداء للغرب   وبالتالي   عدم   التمكن   من   الاستفادة   من    الغرب, ومن   أجل   هذا العداء, تريد الأصولية بذل الغالي والرخيص ,رفض كامل شامل للفكر الغربي بما يخص الحرية والديموقراطية , وتقبل كامل وشامل لاستهلاك منتجات الديموقراطيات الغربية ,من السيارة حتى الجوال الى مقويات الفحولة ,اصولية لا أغبى ولا أشر منها ,أصولية لاتسأل عن سبب مقدرة الغرب على صنع الآلة , التي تستهلكها الأصوليات ليلا نهارا , البترول الذي سد رمق البعض , أعمى عقل وقلب الآخر ,الأصولية تشتري بالبترول ماتريد , وتعيق بالبترول أي تطور لاتريد  ,   تحاول   الأصولية   اغتيال    العلمانية ,  بدون   أي  أمل   بالنجاح,    هذا    لايعني   الخروج    فورا   من  الأزمة   ,  تقديرا   من    الصعب   تصور  مستقبلا   أفضل   على   المدى   القريب   او   المتوسط  ,

تلخيص   :  اخطأت   الحركات    القومية   في   التركيز   على   الوحدة   الخلاصية   قبل   التركيز   على       الخلاص   من   خلال   الديموقراطية ,  الديموقراطية    ضرورية     لانجاح  للوحدة   ,   لا   وجود       الآن   لديموقراطية   ,  لأن    الشعوب   العشائرية   القبلية   غير   مؤهلة     لممارسة    الديموقراطية       بالشكل    المطلوب  ,   كل    الشعوب   مؤهلة       ” للبدئ  ”     بتطوير    يتجه     الى   الديموقراطية   ,   لكي   يصل   الانسان   الى   اهدافه   يجب عليه   السير   في   الطريق   الذي   يقود   الى   هذه   الأهداف    ,  لم   يبدأ    العرب   بالسير   في   الطريق   الديموقراطي    ,  لابل    يسيرون   في   الطريق   المعاكس

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *