أتت البدوية مع فتوحات بلاد الشام , أتت ليس بنية الرحيل وانما بنية تملك بلاد الشام كغنيمة حرب , وما ميز الاحتلال البدوي عن غيره من الاحتلالات كان ميل البدو الى التقوقع وعدم المشاركة في الحياة الاجتماعية لسكان البلدان التي احتلوها , لقد بقوا عل أطراف المدن في ما يشبه الثكنات العسكرية , لذلك لم ينقلوا الكثير عن شعوب المستعمرة , بينما حدث العكس عند شعوب المستعمرة , هذه الشعوب كانت مرغمة على الانصياع لميشئة الاحتلال العسكري البدوي , ومشيئة الاحتلال العسكري لم تكن سوى أوامر مستخلصة من الحضارة البدوية التي أتت معهم , لم يأخذ البدو مايستحق الذكر من عادات وتقاليد الشوام , بينما أخذا الشوام قسرا الكثير من عادات وتقاليد البدو, التي تتضمن القطعية , وانعدام التحليل والتفكيك وممارسة الاجترار , ثم تطبيق مفاهيم الحق والقوة والثأر , اضافة الى السلب والنهب والنفور من العمل .
لم يكن المحارب البدوي بحاجة الى العمل في الانتاج , وحتى قبل الفتوحات لم يعملوا سوى في كار السلب والنهب , فالمحاربون ومن أتى معهم من البدو اعتاشوا من اموال الجزية ثم من الغنائم , لقد أمموا البلد وما عليها وما بها بحد السيف , الذي دامت سطوته حوالي ١٤٠٠ سنة مقسمة الى ألف سنة عربية و ٤٠٠ سنة عثمانية .
بفعل الازمان وقسرية الانصياع للبدوية كان التفاعل مع سكان المستعمرة وحيد الاتجاه ,السكان اخذوا قسرا من عاداتهم وتقاليدهم , بينما لم يأخذ البدو من عادات وتقاليد السكان شيئا يذكر , فهمهم لم يكن التعلم , انما غنائم الحرب بعد الغزوة , لذلك بقي البدو بدوا , وتحول سكان البلاد الى بدو بطبائعهم , التي لاتعرف ثقافة ثنائية العمل -الانتاج والعيش من الانتاج , بالنتيجة حدث العكس من المنطقي والطبيعي , فتمدد الحضر وابتلاع البدوية كان الطبيعي , تمدد البدوية وابتلاع الحضر كان الغير منطقي والغير طبيعي ,لذا تحول سكان بلاد الشام الى بدو بدون صحراء , بدو يسكنون البيوت ويستعملون الطائرة والسيارة , أي بدو بدون حداثة وانما بتحديث في مجال الاستهلاك .
لاتسمح بيئة الصحراء وما تفرضه على الانسان من قسريات ولادة فكر وحضارة وتطور , لذا تفرض هذه البيئة الغير قابلة للتغير مبدأ صلاحية اعرافها لكل زمان ومكان , فالصحراء بالنسبة للبدوي هي في كل مكان , القنص البدوي هو سلوكية طبيعية عنده , انه “المهنة ” التي قادت الى بلورة مفهوم الحق البدوي , فكل مايقتنصه البدوي هو حقه حلالا زلالا له ومشرعنا من قبل البدوية الثانية بعد الدعوى , القنص والعضل والسيف هو المسؤول عن الرزقة …وجعل رزقي في ظل رمحي ! , اضافة الى ذلك تم انتاج مفاهيم الارهاب المؤسسة على قطعية الحق وعلى قطعية امتلاك الحقيقة , فمن يشعر بامتلاكه للحقيقة وبيده السيف والرمح لايتمكن من انشاء حضارة , لأن التفاعل هو أصل وأساس بناء منظومة حضارية , ومن يملك الحقيقة لايتفاعل مع الغير انما يتقاتل مع الغير .
تسمح ظروف الحياة البدوية اقامة منظومة العشيرة والقبيلة وديكتاتورية رأس القبيلة , وما نراه الآن في بلاد الشام المتبدونة ليس الا فساد وديكتاتوريات على مقاس وشكل زعامة القبيلة, انتقال العقلية البدوية الى بلاد الشام المؤهلة أصلا لبناء حضارة , كما كان الحال قبل قدوم البدوية , كمان المؤسس للجمود والتأخر والانسداد والقطعية والتعصب والفساد والعنف الخ .
البدوية هي استعمار لايمكن ترحيله بقرار أو مرسوم أو فرمان أو بالبندقية ,لابد هنا من التصدي للجهل المتمثل بالبدوية ولا بد من التنوير , لابد هنا من التنويه الى وجود بداية ملحوظة ومفرحة لفك “عقدة ” البدوية , هناك تطور ليس بالقليل في هذا الخصوص , فالتفكير العلماني يزداد انتشارا وقوة , ورفض الثقافة البدوية التقليدية يتنامى بشكل ملحوظ , هناك امل بمستقبل أفضل !