ممدوح بيطار:
تتمثل امراض مجتمعات هذه المنطقة بغياب التفكير وبحضور ثلاثية التكفير والتخوين والموآمرة , تعيق هذه الثلاثية المترافقة عادة مع غياب التفكير , قيام الدولة بوظائفها , ولا تسمح بالمساواة بين الجميع , ففي ظل هذه الثلاثية هناك فئة تعتبر نفسها متفوقة على الأخرى بعنصر نوعية المعتقد او الوطنية , وهل يتساوى المؤمن مع الكافر ؟؟؟ وهل يتساوى الوطني مع المتآمر ؟؟؟, التكفير يقود الى فوضى الدم والى التنافر والتكاره والرفض والاقصاء , الذي على الدولة عندئذ معالجته بشكل يقود في كل الحالات الى اجهادها واجهاضها , التكفير ظاهرة ليس لها أن توجد في مجتمع الدولة , التكفير مضعضع للبنية الاجتماعية, وعليه فهو نقمة حصرا وبامتياز , وليس له اي موجب أو فائدة اطلاقا .
للتكفير توأم هو التخوين , يحول التخوين جزءا كبيرا أو صغيرا من الشعب الواحد الى خونة عملاء اعتبارا , وله من العواقب الكارثية أكثر من عواقب التكفير , فكم من بريئ علق على حبل المشنقة لاتهامه بالخيانة والتآمر , التي نتجت في معظم الحالات عن تباين الآراء والمواقف , خاصة تباين الرأي مع رأي الفرعون المتسلط , الذي اراد بهذه التهمة ازاحة من يعارض استبداده واستغلاله .
عن التكفير والتخوين وعن الكوارث التي يسببها كتب الكثير ,وبكثير من التفصيل والنقد والتحذير , لا أظن أن تكرار هجاء التكفير والتخوين ومفهوم المؤامرة ضروري , الأهم من ذلك هو تسليط الضوء على الاخونج السياسي, لكونه الممتهن الرئيسي لممارسة التكفير والتخوين معا , يكفر كمذهب ويخون كسياسة , اي أن كارثيتة مزدوجة ,وازدواج كارثيته قاد ويقود الى تكريس ثقافة الكراهية التي عصفت بالمجتمع , وأعاقت الانفتاح , ودمرت السلم الداخلي .
يترافق شيوع التخوين والتكفير والاتهام بالخيانة والتآمر في أغلب الحالات مع ثقافة الكراهية وخطابها المؤسس للعداء والتأزم والخلاف وتشتت المجتمع , الكراهية هي أحد أهم التجليات السلبية لرفض الآخر , من الناحية النظرية ليست مفهوما مستقلا بل مرتبطا بمفهوم “الآخر” , كل آخر مختلف يمكن أن يصبح سببا للخلاف, بعد اعتباره متآمرا .
تنتج الكراهية نزعة الاقصاء , اقصاء الآخر المكروه ضروري بنظر الكاره , بسبب اختلافه , تبرير ذلك يتم بالشك في عقيدته أو كفره أو خيانتة للوطن أو تحوله الى عميل للاستعمار أو عدوا للشعب ,
التعصب بأشكاله المختلفة عقائديا أو فكريا أو عنصريا , هو أحد ابناء ثقافة الكراهية الرافضة للآخر , عندما يعتقد المتعصب بأنه يملك الحقيقة المطلقة ويتعالى على الآخر , يصبح الخلاف مع الآخر حتمي , الاختلاف قد يتطور الى خلاف, حتى الى قتال وتحارب .
هناك من ينصح ويشدد على ضرورة تجاهل تلك الاشكاليات التراثية وعدم التعرض لها , لأن التعرض لها يمثل نهجا تفتيتيا تقسيميا ويعرض الوحدة الوطنية للارتجاج والاهتزاز , وذلك في الوقت الذي تحتاج الشعوب به الى التوحد والتلاحم , الشعوب بحاجة الى خطاب يوحد ولا يفرق ويجمع ولا يمزق… هكذا يدعون !
تعبر هذه النصائح الملائكية الطوباوية عن خدعة ومخاتلة لانظير لها , ينصحون بعدم بحث هذه الاشكاليات وكأن الوحدة الوطنية والتلاحم متوجدا في ظل التكفير والتخوين , والحالة في ظل التخوين والتكفير تمثل أرقى أشكال الانسجام بين فئات الشعب, التي تكفر بعضها البعض , وتخون بعضها البعض ,حقيقة يمثل ذلك دعوة للاستكانة لما يفرق ويمزق , اي الاستسلام للتكفيريين والتخوينيين .
مصدر هذه الدعوات المشبوهة هو الجهات التي تكفر وتخون بامتياز , بهذه التهمات يريدون التمويه على تكفيرهم وتخوينهم , هؤلاء لا يهدفون الى حماية الوحدة الوطنية , انما يريدون من الآخر الانصياع لهم , لذا على الآخرين ممارسة الصمت وتجنب تعكير ضجيج ساحات القتال تحت الرايات السوداء , الصمت ضروري لتأمين الجو المناسب للتكفيريين التخوينيين لممارسة تكفيراتهم وتخويناتهم , وبذلك تتحقق الوحدة الوطنية , ويتحقق الوئام تحت رايات الجهاد وصيحات التكبير وتتحقق وحدة الصف في ظل الاخونج المكفر المخون