من التحليل الى التنقيل والى موت العقل …
مفيد بيطار, ممدوح بيطاار:
الملفت للنظر والانتباه في مدارس تحفيظ القرآن , هو تلك الرتابة في جلوس الأطفال ولباسهم الموحد ثم طاولات التحفيظ والقبوعة الموحدة والنظرة الموحدة البائسة , ثم مقاربة كل ذلك مع الجهود لتدمير العقل وتدمير الطفولة , استحضرت صورة أخرى من تراث داعش … صفوف باللباس البرتقالي برتابة ونظرة الخوف الواحدة ثم اطلاق النار على الأجساد , فجأة هدوء وصمت … فلسان الميت لايتكلم وحنجرته لاتصرخ , بالرغم من المبالغة في تشبيه مصير أسرى داعش مع مصير عقول هؤلاء الاطفال يبقى القتل ويبغى الاغتيال واحد وافناء الانسان واحد أيضا .
لقد تطورت أساليب التدريس في المدارس عالميا باتجاه التحليل بدلا من التنقيل,وبالرغم من هذا التطور العالمي , لاتزال المدارس السورية وحتى الجامعات تنقل ولا تحلل, وبالنسبة لتحفيظ القرآن فالأمر سيان ان كان للتحفيظ أصل في الدين أو أنه لا أصل له في الدين , فالتحفيظ عن ظهر قلب يبقى اسلوبا سيئا , لكونه مدمرا للعقل كأي تحفيظ آخر , فالتحفيظ يدمر العديد من خواص شخصية الطفل وأولها خاصة النقد , اضافة الى ذلك لم تعد هناك حاجة للتحفيظ ,فالمعارف لم تعد شفهية ,هناك الورق والمطبعة والكومبيوتر ,ولن تعد هناك أي حاجة لاجهاد الذاكرة في حفظ مواد يمكن حفظها في جهاز بسيط ,لا نشجب التحفيظ لكونه عادة اسلامية سيئة ,وانما لكونه مدمرا للعقل والنفس كأي تحفيظ آخر وضرره على تكوين شخصية ناقدة دائم وعميق .
التحفيظ يعني حشو الرؤوس بمواد ولو كانت جديدة فستصبح يوما ما ماضوية قديمة , ثقافة ومعارف ماقبل 1400 سنة هي بدون أي شك قديمة ولم تعد لها صلاحية في الحاضر وخاصة في المستقبل , يحشى العقل بمواد تراثية فاقدة الصلاحية تمنع دخول مواد عصرية جديدة اليه , وذلك لتناقض وتضارب مدلولات المواد القديمة مع العصرية , هنا تصطدم المثاليات القديمة مع الجديدة , بحكم الاعتياد والنفور البدوي التراثي من الجديد والقناعة المسبقة المترسخة ,ثم الكسل العقلي والاتكالية والمقدس والقدرية قد يهيمن القديم على الجديد , وبذلك يتحجر الانسان ويبقى كما هو بدون تطور او تقدم .
يتم تحفيظ القرأن بلغة القرآن , وما معنى تقويم اللسان بلغة من الصعب فهم مدلولاتها المجازية وصورها حيث لكل عبارة تفسيرات متباينة ومختلف عليها من قبل الفقهاء ,تقويم اللسان يعني تمكن الانسان من لغة القرآن ,وماهي فائدة التمكن من لغة القرآن عندما لايمكن استخدام هذه اللغة في الحياة اليومية …تصوروا جريدة مكتوبة بلغة القرآن …تصوروا دردشة بلغة القرأن !, فمن يتمكن من فهم ماكتب أو ماقيل ؟؟ , لذا يمكن القول بأن تقويم اللسان تحول الى اعوجاج اللسان ,لسان لايتمكن من نطق ما يمكن فهمه بالسرعة الكافية والوضوح الكاف هو لسان أعوج !,
يحتاج المجتمع الذي يهمه التقدم لعقول تتطلع الى الأمام , وليس لرؤوس محشوة بثقافة الماضي ومليئة بما هو ضار حاليا,تحفيظ القرآن للأطفال لايترك في عقل الطفل مساحة لشيئ آخر ,عقله قرآني شكلي وشللي خال من خاصة التحليل ومروج لمثالية قديمة لم تكن مثالية , وغربة وبالتالي الى انعزالية ثقافية وموت ثقافي ,فالثقافة الحيوية هي الثقافة التفاعلية والتي تأخذ وتعطي وتتطور وبالتالي تدوم !
تحفيظ القرآن للصغار يغرس في نفوسهم خاصة تقديس الماضي , عندها يصبح الماضي على علله المثل والقدوة والنموذج , أنه مقدس لذاته , وهو أمل المستقبل , وهذا هو الخطر الكبير ,فالمجتمع الذي يريد التقدم يحتاج الى التوجه الى الأمام , والتطلع الى الغد بدلا من محاولة استحضار الامس , بتحفيظ الأطفال للقرآن يتم انشاء عقول ميتة انصياعية للزعيم أو الخليفة كما كان الأمر قديما , نعيش الآن في نظام الخلافة بدون خليفة , ولكن بالمشايخ خلفاء الخليفة!