اللحية والجلابية وجلد البشر باسم الخالق ,

 ممدوح   بيطار:

 العلمانية كمطلب حقوقي , كلمة لاتروق كثيرا للعديد  من أفراد الشعوب العربية , خاصة الفئات التي تدعي التدين , بعض المدافعين عن  هذا المطلب العلماني  يعتقدون ان العلمانية عامل أساسي في بناء مجتمع ديموقراطي  حديث , مجتمع يتجاوز أنواع الوصاية  التقليدية  , ليعاوض عنها بالعلم , الذي هو انتاج الانسان والعقل ,هنا يجب الاعتراض فورا على هذا الطرح , فالعلمية لاتعني العلمانية والمدنية , انما العلمانية والمدنية تعني وجود العلم ,هتلر كان  علمي  ولم يكن   علماني أو مدني قطعا , حتى ولو  كان بمقدور العلم  فتح آفاق   شاسعة   أمام الانسان وتطلعاته ,حتى  ولو  كان  بمقدور  العلم  محاربة  الجهل  العلمي  والخرافات , فالعلم  ليس  قادرا على  مكافحة  التسلط  ,  وقد يصبح أحيانا وسيلة له .

لقد نجحت الأوساط الدينية  في اثارة بعض  القلق   والشك   في  صفوف المواطنين ,التيارات الدينية  ألصقت  الكثير  من الصفات   الكاذبة  بالعلمانية ..,منها ربط العلمانية بالالحاد والاباحية والانحلال , مما  لاقى  بعض  الاستجابة  من  أوساط  مهيأة ثقافيا لتقبل وممارسة  هذا الضلال .

المطلب العلماني , هو مطلب اقامة الدولة الديموقراطية الحديثة , التي تترفع عن هراء الاسلام السياسي ,كمبدأ الشورى مثلا , الذي لايعرف من الديموقراطية حتى الاسم ,  ليس للعلمانية أي علاقة مع  المستوى الشخصي للفرد  , ثم ليس للعلمانية أي علاقة بموقف انسان من الغيبية والله ,هذه أمور شخصية  , لا تتدخل العلمانية بها , فالعلمانية ليست على جانب الالحاد أوالتدين , وذلك على الرغم على من أن العلمية , التي هي  أحد أركان العلمانية , لاتتلائم عادة مع الغيبية , فالذيلايريد أن يكون غيبيا , لايمنع أحدا من أن يكون غيبي , العلمانية تمنع التسلط الاعتقادي , وتمنع الهيمنة بسبب الاعتقاد , وحتى لو كانت نسبة من يعتقد سنيا أو شيعيا تتجاوز 99% من المجموع , ليس للعلمانية تفضيل سني على شيعي أو بالعكس , العلمانية تريد تحرير الدولة من كل ماهو ليس دولة , وتريد تحرير الدين والطائفة من منهجية التسلط ممارسة وتقبلا , فالأكثرية الدينية الطائفية ليست أكثرية سياسية  بمعنى الدولة , حتى وان كانت أكثرية اجتماعية .

منطقيا يمكن القول , من يؤله التفكير الديني المقدس  حقيقة , لايسمح لنفسه  التسلط على مقدسات الآخرين , التي يعترف بقدسيتها أصلا  , الاسلام يقدس حتى اليهودية والمسيحية , لذا يجب القول , انه لامنطقية اسلامية في اخضاع الآخر لمعتقداته , المقدس المطلق لايخضع الى النسبية , والتفكير الديني يكفر في هذه الحالة نفسه بنفسه , وذلك عن طريق تناقضاته , ومن يراقب كل ذلك ينتابه اليقين , على أن الأمر هو أمر دنيوي  بحت , باسم الدين والطائفة والمعتقد الغيبي تريد فئة السيطرة على فئة أخرى  على هذه الأرض وليس  في السماء.

اذا كانت العلمانية ليست ضرورة للعلم , فان العلم هو ضرورة ووسيلة للعلمانية , وعن طريق هذه الوسيلة  , تكافح العلمانية الكثير من المشاكل التي يتعرض لها الانسان , ومنها  أيضا  المشاكل التي يفرزها ويخلقها العلم .

الحسم في المجال الثقافي أو الاجتماعي ليس من مهام العلمانية , وذلك لأن حقوق الانسان  عبارة عن مواثيق وقوانين تبلور العقد الاجتماعي وتسهر على ترقيته وتطوره , ثم انها ضمان لحرية الفرد  ومسلكيته الشخصية  بما يخص علاقته مع غيره من الأشخاص الحقيقين أو الافتراضيين ..الله مثلا !, , هذه العلاقة تخضع في تطورها الى العلم , الذي هو جزء من العلمانية , تعليم البشر ضروري , وعندما يؤمن عالم الفيزياء بالغيب فهذا شأنه ,وعلى  أنه سوف لن يؤمن ,العلمانية تكافح الفيبية ليس بالسيف والسجن , وانما بالتنوير والتعليم , وهل التنوير والتعليم كان يوما  ما من الموبقات ؟.

تختلف العلمانية عن الاشتراكية أو الشيوعية أو الرأسمالية أو السلفية  وغيرهم من النظم ,التي   تمثل تصورات  ومكونات لنظام حكم معين , العلمانية هي منهجية فقط , هي تحديد لبعض طبائع السلطة السياسية , التي تلزمها العلمانية باحترام حقوق الانسان  وحريته , هذا الاحترام ممكن في الاشتراكية أو حتى الشيوعية  وفي الرأسمالية أيضا , لطالما انبثقت هذه الأنظمة عن ارادة شعبية , الاحترام صعب أو مستحيل في النظام السلفي و الذي يعتمد أول مايعتمد على قهر الانسان والتسلط عليه ثم الانقضاض على حريته وارادته .

بهذه المناسبة أريد توضيح   بعض  التعريفات  والمفردات , فالعلمانية scientisme(بكسر العين ) , هي اتجاه يؤمن بمقدرة العلم على حل مشاكل البشر , وهذا ما تم دحضه على يد أمثلة هتلر  أو ستالين أيضا , أما العلمانية  secularisme (بفتح   العين  ), فهي منهجية ترى في فصل الأمور الدينية عن الدنيوية مخرجا من العديد من الاشكاليات , من أهمها الفصل بين الممارسة الشخصية (علاقة الفرد بالدين ..!) وبين التوجه الاجتماعي سياسيا , حيث يسيطر هذا التوجه على المجتمع قاطبة , وبالتساوي في الحقوق والواجبات من كل فرد  مهما كان انتمائه الديني , أما اللائيكية  laique فتريد تحقيق العلمانية كمفهوم عالمي شامل , يرتكز على البعد الثقافي من أجل تحقيق التقدم , والبعد الثقافي  يتضمن الكثير من المعالم , من أهمها التنكر للمقدس , الذي يرتدي الجلابية ويطلق اللحى  ويجلد البشر باسم الخالق .

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *