اللحية والجلابية وجلد البشر باسم الخالق ,
العلمانية كمطلب حقوقي , كلمة لاتروق كثيرا للعديد من أفراد الشعوب العربية , خاصة الفئات التي تدعي التدين , بعض المدافعين عن هذا المطلب العلماني يعتقدون ان العلمانية عامل أساسي في بناء مجتمع ديموقراطي حديث , مجتمع يتجاوز أنواع الوصاية التقليدية , ليعاوض عنها بالعلم , الذي هو انتاج الانسان والعقل ,هنا يجب الاعتراض فورا على هذا الطرح , فالعلمية لاتعني العلمانية والمدنية , انما العلمانية والمدنية تعني وجود العلم ,هتلر كان علمي ولم يكن علماني أو مدني قطعا , حتى ولو كان بمقدور العلم فتح آفاق شاسعة أمام الانسان وتطلعاته ,حتى ولو كان بمقدور العلم محاربة الجهل العلمي والخرافات , فالعلم ليس قادرا على مكافحة التسلط , وقد يصبح أحيانا وسيلة له .
لقد نجحت الأوساط الدينية في اثارة بعض القلق والشك في صفوف المواطنين ,التيارات الدينية ألصقت الكثير من الصفات الكاذبة بالعلمانية ..,منها ربط العلمانية بالالحاد والاباحية والانحلال , مما لاقى بعض الاستجابة من أوساط مهيأة ثقافيا لتقبل وممارسة هذا الضلال .
المطلب العلماني , هو مطلب اقامة الدولة الديموقراطية الحديثة , التي تترفع عن هراء الاسلام السياسي ,كمبدأ الشورى مثلا , الذي لايعرف من الديموقراطية حتى الاسم , ليس للعلمانية أي علاقة مع المستوى الشخصي للفرد , ثم ليس للعلمانية أي علاقة بموقف انسان من الغيبية والله ,هذه أمور شخصية , لا تتدخل العلمانية بها , فالعلمانية ليست على جانب الالحاد أوالتدين , وذلك على الرغم على من أن العلمية , التي هي أحد أركان العلمانية , لاتتلائم عادة مع الغيبية , فالذيلايريد أن يكون غيبيا , لايمنع أحدا من أن يكون غيبي , العلمانية تمنع التسلط الاعتقادي , وتمنع الهيمنة بسبب الاعتقاد , وحتى لو كانت نسبة من يعتقد سنيا أو شيعيا تتجاوز 99% من المجموع , ليس للعلمانية تفضيل سني على شيعي أو بالعكس , العلمانية تريد تحرير الدولة من كل ماهو ليس دولة , وتريد تحرير الدين والطائفة من منهجية التسلط ممارسة وتقبلا , فالأكثرية الدينية الطائفية ليست أكثرية سياسية بمعنى الدولة , حتى وان كانت أكثرية اجتماعية .
منطقيا يمكن القول , من يؤله التفكير الديني المقدس حقيقة , لايسمح لنفسه التسلط على مقدسات الآخرين , التي يعترف بقدسيتها أصلا , الاسلام يقدس حتى اليهودية والمسيحية , لذا يجب القول , انه لامنطقية اسلامية في اخضاع الآخر لمعتقداته , المقدس المطلق لايخضع الى النسبية , والتفكير الديني يكفر في هذه الحالة نفسه بنفسه , وذلك عن طريق تناقضاته , ومن يراقب كل ذلك ينتابه اليقين , على أن الأمر هو أمر دنيوي بحت , باسم الدين والطائفة والمعتقد الغيبي تريد فئة السيطرة على فئة أخرى على هذه الأرض وليس في السماء.
اذا كانت العلمانية ليست ضرورة للعلم , فان العلم هو ضرورة ووسيلة للعلمانية , وعن طريق هذه الوسيلة , تكافح العلمانية الكثير من المشاكل التي يتعرض لها الانسان , ومنها أيضا المشاكل التي يفرزها ويخلقها العلم .
الحسم في المجال الثقافي أو الاجتماعي ليس من مهام العلمانية , وذلك لأن حقوق الانسان عبارة عن مواثيق وقوانين تبلور العقد الاجتماعي وتسهر على ترقيته وتطوره , ثم انها ضمان لحرية الفرد ومسلكيته الشخصية بما يخص علاقته مع غيره من الأشخاص الحقيقين أو الافتراضيين ..الله مثلا !, , هذه العلاقة تخضع في تطورها الى العلم , الذي هو جزء من العلمانية , تعليم البشر ضروري , وعندما يؤمن عالم الفيزياء بالغيب فهذا شأنه ,وعلى أنه سوف لن يؤمن ,العلمانية تكافح الفيبية ليس بالسيف والسجن , وانما بالتنوير والتعليم , وهل التنوير والتعليم كان يوما ما من الموبقات ؟.
تختلف العلمانية عن الاشتراكية أو الشيوعية أو الرأسمالية أو السلفية وغيرهم من النظم ,التي تمثل تصورات ومكونات لنظام حكم معين , العلمانية هي منهجية فقط , هي تحديد لبعض طبائع السلطة السياسية , التي تلزمها العلمانية باحترام حقوق الانسان وحريته , هذا الاحترام ممكن في الاشتراكية أو حتى الشيوعية وفي الرأسمالية أيضا , لطالما انبثقت هذه الأنظمة عن ارادة شعبية , الاحترام صعب أو مستحيل في النظام السلفي و الذي يعتمد أول مايعتمد على قهر الانسان والتسلط عليه ثم الانقضاض على حريته وارادته .
بهذه المناسبة أريد توضيح بعض التعريفات والمفردات , فالعلمانية scientisme(بكسر العين ) , هي اتجاه يؤمن بمقدرة العلم على حل مشاكل البشر , وهذا ما تم دحضه على يد أمثلة هتلر أو ستالين أيضا , أما العلمانية secularisme (بفتح العين ), فهي منهجية ترى في فصل الأمور الدينية عن الدنيوية مخرجا من العديد من الاشكاليات , من أهمها الفصل بين الممارسة الشخصية (علاقة الفرد بالدين ..!) وبين التوجه الاجتماعي سياسيا , حيث يسيطر هذا التوجه على المجتمع قاطبة , وبالتساوي في الحقوق والواجبات من كل فرد مهما كان انتمائه الديني , أما اللائيكية laique فتريد تحقيق العلمانية كمفهوم عالمي شامل , يرتكز على البعد الثقافي من أجل تحقيق التقدم , والبعد الثقافي يتضمن الكثير من المعالم , من أهمها التنكر للمقدس , الذي يرتدي الجلابية ويطلق اللحى ويجلد البشر باسم الخالق .