ممدوح بيطار:
التوحيد كحالة دينية ليست موضع اهتمامي وليست موضع اهتمام هذه السطور , المهم بالنسبة للمقالة بالدرجة الأولى هو تأثير عقلية ومفهوم التوحيد على مسلكيات الانسان على الأرض , فبالرغم من كون التوحيد أصلا الهي , الا أن منظومة التوحيد الالهي انعكست على أحكام الحياة الدنيا بحيث تحول التوحيد الالهي الى التوحيد الدنيوي , وما آلت اليه حياة البشر في اطار هذا التوحيد الذي صنع للآلهة وطبق على البشر .
تحمل التوحيدية في جوفها ضدية للأديان التي كانت سائدة والتي تميزت بالتعددية , هذا الأمرمثل الالغاء الصريح للأديان الأخرى, التي تراها التوحيدية أديانا مزورة وآلهتها ألهة مزيفة , ومن المستحيل ابقائها الى جانب الأديان التوحيدية ,التي تعتمد مبدأ الاله الواحد الذي لاشريك له , وبذلك احتكرت التوحيدية الحقيقة المطلقة وصنف غيرها في مصنف الكفر والضلال , لهذه النظرة الدنيوية (اسقاط صفات الله الواحد على البشر الموحد) نتائج خطيرة هددت العلاقة بين البشر وبين المذاهب وقادت الى صراعات لانهاية لها, الى حروب “مقدسة” حرقت الأخضر واليابس , والتي تعرفها البشرية خير معرفة .
لم يتطفل التوحيديون على الأديان بما يخص أفضليتهم وميزاتهم في الحياة الدنيا , لابل تطاول التوحيد عليهم وذلك بحقنهم بحقن الغرور والفوقية المدمرة , اليهودية أكدت لليهودي بأنه ينتمي الى شعب الله المختار , والمسيحية قالت له بأنه ملح الأرض , أما الاسلام فقد وضع المسلم فوق الجميع لأنه ينتمي الى خير أمة , لقد سلح كل دين توحيدي أتباعه بسلاح الفوقية والتمايز, وبذلك خلق حالة مرشحة لتتحول الى سوء تفاهم وتشنج وعداء لابل الى رفض واقصاء, حتى الى عداء تاريخي لابل الى حروب, ما حدث لبني قريظة وخيبر ليس الا مثالا على ذلك .
نشر الاسلام عن طريق احتلال بلاد الآخرين المنتمين الى دين آخر, كما كان الحال في بلاد الشام, لهو خير مثال على الشعور بتفوق دين على دين آخر, أو بكلمة أخرى تفوق المسلم على المسيحي بخواصه الدينية …وكم كان عدد الذين قتلوا في هذا السياق ؟,لم يتقتصر التوحيد على الله الواحد الأحد والذي لاشريك له , انما انعكس على تركيبة الشعب وتركيبة السلطان , فالسلطان جمع في اطار التوحيد بين السلطة الدينية وبين السلطة الزمنية كتجسيد لوحدانية الله على الأرض, وهكذا تغيرت خصائص الفضاء الديني وخصائص الفضاء السياسي ,وتم تنصيب السلطان مؤبدا على كسم الخالق وبارادة الخالق وليس بارادة البشر, لم يخضع السلطان لمحاسبته من قبل البشر , وبذلك تأسس نوعا من الديكتاتورية العصية على الترحيل والمعالجة والتصليح,لايعرف التاريخ الاسلامي ثورات شعبية على السلاطين الخلفاء ؟؟؟ وكيف يثور شعب على سلطان اتى بغير ارادته , وبديله سيكون أيضا بدون ارادته ؟.
وقعت منظومة التوحيد الالهي الرافض لتعدد الآلهة في مأزق المنطق , الله واحد أحد ولا شريك له , والله ادعاء واحد بالنسبة للأديان التوحيدية , وكيف يمكن لله أن يكون واحدا, عندما تكون تجلياته المسسيحية مختلفة ومتباينة لابل متناقضة مع تجلياته الاسلامية أو اليهودية , من رحم هذا التباين ولدت محاولات فرض فئة تصوراتها على الفئات الأخرى بكل الوسائل الممكنة ومنها الحروب , التي لم تتوقف , وما هو أحد أهم مسببات حروب الردة وحروب الشيعة-السنة ؟ , وهل حقا لايمكن حل مشكلة فلسطين ؟ أو أنه توجد عوامل معيقة للحل تتمثل بالعداء اليهودي- الاسلامي المزمن .
التوحيد الذي قيل انه سيوحد فرق , والتوحيد كان عليه أن يكون حلا لكل مشكلة تحول الى مسبب لكل المشاكل ,لاضرورة للاستفاضة بتعداد مثالب التوحيد وانعكاسها على حياة البشرية , فنظرة تأملية على تاريخ الشعوب والحضارات ومقارنة ماتم انجازه تحت راية التعددية مع ماتم انجازه بشريا تحت راية التوحيدية يظهر الفرق الشاسع بين منجزات التوحيد ومنجزات التعددية , وذلك لصالح جهة التعددية الالهية !