الايمان التسليمي ,والانسان كمستعمرة دينية …
ممدوح بيطار:
– بما أن المجتمعات العربية الاسلامية غارقة في التناقضات والأزمات ,لذا لا بد من التفكير بالمسببات , من يبحث عنها يجدها, ويجد بأنها متناسبة طردا مع المحظورات واستلاب الارادات , من يتعمق أكثر يصل الى القاع الذي يجد به عفن الجنس والدين , وبدرجة ثانوية السياسة , فالكلام عن عفن الدين محفوف بالمخاطر, والكلام عن الجنس وارتباطه بغريزية المخلوق البشري مؤلم , لأن المخلوق البشري في تطوره الى الأفضل يريد احلال العقل مكان الغريزة ,فمن يدعي بأن مخلوقاتنا البشرية لاتزال غريزية أو أنها تطمح لقدر أكبر من الغريزية ,انما يشخص وجود الحجارة في عقولنا ووجود عصر الحجر في نفوسنا , أما الحديث عن السياسة فلا قاعدة له ولا روابط ولا منطق ولا وجهة ولا هيئة أو سحنة أو ديرة , السياسة كل شيئ ولا شيئ , ويمكنك التحدث عنها كما تشاء وتريد , والحديث عنها كعدم الحديث عنها , والأفضل عدم اضاعة الوقت في الحديث عنها , فالسياسي هو مستخدم عند مريديه وعندما يتكلم يتكلم بمنطق غيره ومصلحة من يمثلهم , انه لاشخص لأنه لايتكلم كشخص , له شبيه مع الاسلاميين الذين لايحاورون بطرح أفكارهم الشخصية , وانما يحاورون نيابة عن القرآن , ويستخدمون آيات وحجج القرآن , والحديث معهم هو حديث مع القرآن , هذا يتعارض مع مشروع الحوار بين أشخاص , لأن الطرف الآخر استقال من شخصيته و تحول الى قرآن …لا أكثر ولا غير ,
– بالرغم من المخاطر التي ذكرتها , لابد لمن يريد الخروج من هذه الحالة من ممارسة الصراحة التي قد تكون جارحة , وها أنا أمارسها متوسلا لدى القرآن عدم استخدام الساطور , فداعيكم عبد ثرثار فقير لايستحق السوط والسكاكين ولا حتى السواطير.
لو ركزت على الدين الذي هو حالة ايمانية تسليمية مؤسسة على التلقين وراثيا , يتوارثه الانسان من السلف الى الخلف تقليديا , ودون أي تمحيص عقلاني , فمن المسلمات الاجتماعية أن ينتمي المحروس تلقائيا الى دين الأب حارسه , أي أنه دينيا على سحنة ابيه , لذلك فانه من الممكن القول بأنه لاعلاقة للانتماء الديني بمفهوم الخيار العقلاني , ولا يجوز التحدث عن مفهوم “الخيار الديني” لأن هذا المفهوم يجمع بين ضديات لايمثل الود نوع العلاقة بينها , جيران التنافر وحتى التحارب , في الدين لاتوجد خيارات وفي الخيارات لاوجود للدين , لاعقل في الدين ولا دين في العقل , لذلك فان الأمر برمته مجانبة للدين والعقل على حد سواء.
– يربط الدين الشخص بمرجعية مقدسة لاتمس ولا تدنس , مرجعية فوق بشرية , هي الألوهية المنفصلة عموما عن الانسان باستثناء صلتها مع البشر عن طريق الأنبياء والمرسلين ومساعديهم كساعي البريد جبريل , كنتيجة لهذا الربط ولهذه المرجعية الممثلة للحق والصواب والحقيقة المطلقة , يتحول الحق والحقيقة الى بضاعة مستوردة ومفروضة قسرا , في هذا الوضع لامجال للانتاج الذاتي بما يخص هذه القيم , ولا لزوم لتفعيل العقل كمعمل للفكر في البحث عن الحقيقة , ولا لزوم للعقل في تحديد المفهوم الضميري الأخلاقي والمعاشي الحياتي للحقيقة, وبذلك يتحول الانسان الى مستورد لأهم مايحتاجه في الحياة , وبالتالي معرضا للابتزاز من قبل المورد الذي هو الدين ورجاله والمحتكر للمادة الغيبية , رجال الدين يراقبون المشهد عن كثب ويعيدون القطار الى سكته ان خرج عنها , انهم حماة الفضيلة والدين أولياء الأمر والنهي , انهم صناع المعيار والمقياس وديناميكيتهم تكمن في فقههم الذي يقولب الأمور كما يريدون ويتمنون .
– نحن اذن ازاء حالة يقال على أنها تمثل ممارسة كرم حاتمية دينية وبدون مقابل , الله يهب من يشاء وهو على كل شيئ قدير , الا أننا ايضا أزاء حالة مصادرة للفاعلية الذاتية للانسان المتدين خصوصا , ولا أجد في هذه الحالة للكرم أي أثر , دين الله كريم بماذا ؟ كرمه هوائي وافتراضي ووهمي , وبالمقابل يريد من البشر أن يعبدوه ! , مطلب لم يتجرأ أعتى ديكتاتور على طرحه …اعبدوني ! أي أنكم عبيد من يمثلوني على الأرض , عبيد للمشايخ والخزعبلات التي أمطرتكم بها وللخرافة التي أهلكتكم بها , هل ارسلت ياسيد للعبد الجائع يوماما رغيفا من الخبز ؟ تريد احتكار الفضيلة واحتكار تسييرنا كما تشاء وتريد مسخ ارادتنا وتعطيل عقلنا وأحيانا ترسل لنا مصيبة أو هزة ارضية تهدم بيوتنا على رؤوس أطفالنا , والغريب أنك لم تشارك يوما ما في الانقاذ…انك تتفرج !! , فمن انقذ كانوا الكفار من أمريكان وطليان وألمان وغيرهم من البشر ..لم نر يوما ما هرولة رجالك لانقاذ البشر من مصائبهم , وانما هرولوا لتفجير القطارات والمدارس والشوارع والطرقات .
– اننا نرى في هذه الحالة طبيعة استلابية للانسان من قبل الدين ومن يمثله , اننا نجد بالمقابل في حال غيرنا من البشر مفارقة غريبة , فكلما ازداد الاتكال على الدين , ازداد بنفس النسبة شقاء وتعتير عبيد الله , وكلما اعتمد البشر على أنفسهم , ازدادوا سعادة ورقيا وامتلأت معدهم وتوضح أفقهم وتمتعهم بالحرية , التقرب من الدين مصدر للتعاسة والابتعاد عن الدين والتدين مصدرا للسعادة , الهذا على الانسان أن يتدين ؟
– عندما يتأزم وضع انسان بلادنا لسبب ما , يزداد تدينه طمعا بغفران وعطف وكرم الدين ورجال الدين , في هذه الحالة تزداد سطوتهم وامكانية تحكمهم بالبشر وتوجيههم للبشر للوجهة التي يريدون لهم , يوجهون نحو عدو مفترض في الشارع أو المدرسة أو المقهى , وعليهم الاقتصاص منه لأنه السبب المفترض للبلية …فهيا الى القنابل والسكاكين والشاحنات للدهس والرفس , والمكافأة جاهزة نظريا كوعد , بأن سيدهم في السماء حجز للمجاهدين في سبيله أفضل الأمكنة في السماء وأفضل الحوريات والغلمان والمأكل والمشرب …وضع منافق حقيقة !
– في مثل هذه الظروف الحرجة تصبح الشخصية المتدينة الفاقدة لعنصر الفاعلية الذاتية ولمعيارية الحق والحقيقة الذاتية والمسلوبة الارادة والشخصية شديدة القابلية والتقبل للعنف الذي من الممكن فرض ممارسته من خارج الانسان ومن نظم وضوابط خارج ارادته وحتى خارج مصلحته .