ممدوح بيطار:
لاشك بأن وضعنا يتسم بشكل عام بالتعثر ..بالفشل والتأخر ,لذا أصبح لزاما علينا أن نبحث عن مصادر وأسباب كل تلك أالظواهر السلبية , لايمكن للبحث الا أن يتطرق الى العوامل المؤثرة على الفكر وعلى السياسة والأخلاق والقيم وكل ما يؤثر على مشروع التحضر والتطور .
الفكر الديني في بلادنا هو الفكر الاسلامي , وهو من أهم العوامل المؤثرة على التطور في هذه البلاد , حامل الفكر أالاسلامي في الحياة السياسية هو الاسلام السياسي , لذا لامناص من التعرض لهذا الاسلام السياسي بالتحليل والتفكيك والنقد , وذلك بالرغم من توقع تعرض الناقد الى نوع من التهميش البدائي والقدح الشخصي , الذي يراد به ردع وارهاب الناقد , وحتى اغتياله اجتماعيا أو أخلاقيا , أو زعزعة ثقته بنفسه , كتوقع اصابة الناقد بالجنون أو الموت اانتحارا , سوف لن يترك الاسلاميون سلاحا الا ويستعملوه ضد من ينقدهم , أنهم أخصائيون باستخدام الأسلحة البدائية والبدوية, التي تقتصر على ما نلاحظه في ادبياتهم وفي تعليقاتهم الخالية من مادة الفكر , والمقتصرة على الاتكال على ثقافة المؤامرة التي تمثل العجز والقصور وحتى فقدان العقل ,لاسبيل لهم الا العنف اللفظي او حتى الجسدي خدمة للمقابر وخدمة لثقافة الموت وافناء للحياة .
هناك فريق يقف تحت راية الاسلام السياسي , ويؤمن بأنه معصوم عن الخطأ , لأن الله لايخطئ , حتى وان أخطؤا فلهم على الأقل أجر من أجرين , يريدون تطبيق شرع الله , وبرنامجهم هو عبارة واحدة ..الاسلام هو الحل ! , ولطالما يعملون على تطبيق شرع الله , لذا يجب على الآخرين أن يثقوا بهم كثقتهم بالله , حتى ولو كانوا نوعا من البهائم , فالله يعلم بنواياهم الصائبة والمحقة ,لذا لالزوم للتفاصيل ولا لزوم للشك بشيئ , وهل من المعقول أن يشك المخلوق البشري بخالقه الواحد الأحد …معاذ الله
من أهم الأمور المتعلقة بالله سبحانه هي وحدانيته أو التوحيد ..انه الواحد الأحد , وبما أنه خلقنا لنعبده ونطيعه ونعمل بارادته وارشاداته , فأين هو الخلل في تجليسه على كرس الديكتاتورية الدينية , وتجليس وكليه الأرضي السياسي على الكرسي السياسي الديكتاتوري , اذ لافرق بين ديكتاتورية السماء وديكتاتورية الأرض المطلقة, لا لزوم هنا للاستغراب , فمن يؤمن بأن الله واحد لاشريك له في السماء , لذا لاشريك لوكيله على الأرض , بالنتيجة يصبح تقديسه وتقديس وكيله الأرضي أمر بديهي , ومن يقدس غيرهم يشرك, أتعرفون عواقب الشرك بالله ؟ من لايعرف عليه بسؤال المشايخ .
تعتمد الرؤية الوحدانية لغيب السماء وواقع الأرض على الخصوصية , اذ أنه للاسلام رسالته الوحدانية الخاصة به, والتي تميزه عن الوحدانيات الأخرى , وللوحدانيات الأخرى مايميزها عن وحدانية الاسلام , لذا هناك ايديولوجيات مختلفة ومتباينىة , وكل منها تمثل الطريقة المثلى والنابذة للطرق الأخرى , ونبذ الطرق الأخرى يمثل بحد ذاته مطلبا لتحصين الذات دفاعا عنها وعن طرقها في فهم الله ووحدانيته , وهذا يعني بالضرورة امساك النظرة ومن يمثلها واحتضانه بالسلطة كضرورة دفاعية , لذا فان تقديس الكلام الالهي هو مطلب سلطوي , أي أن ثقافة التأويل الخاصة بكل فريق تحولت الى وسيلة لاقامة السلطة المتميزة خارجيا بالسياسة وداخليا بالعقيدة الدينية , وهذا هو جوهر الاسلام السياسي .
كيف لله وهو الواحد الأحد أن يرسل للتوحيديين رسائل مختلفة ومتضاربة ؟؟ القول بأن أمر الرسائل المختلفة طبيعي , ولله أوجه مختلفة ومزاجيات مختلفة , ينفي عن الله وكتبه صيغة الحقيقة المطلقة , وتنتفي بالتالي امكانية وضرورة التقديس , فالتقديس لايستقيم مع تقديس الضديات , القول بأن يد الله اليسرى لاتعرف ماذا تفعل يده اليمنى , هو قول لايستقيم الا مع القول بأن الله ليس عنده مايقوله , وبالتالي لاثقة به وبأقواله .
لاتقتصر شرور الوحدانية أو التوحيد الالهي على انجاب الوحدانيات الأرضية المتمثلة بالديكتاتوريات التقليدية , ان كانت سياسية أو دينية , انما تتعدى ذلك خارجيا الى ممارسة الحروب بين هذه الوحدانيات , ترى الوحدانية الاسلامية في الوحي الاسلامي وفي النبوءة والنبوة خاتمة الحقائق , فلا حقيقة خارج الاسلام الذي هو خاتم النبوآت , لذلك كانت الغزوات وتبريراتها , لذلك كانت الحروب واستمراريتها , وكل ذلك كان مؤسسا على مقدرة التوحيد على تدمير العقل وتدمير الانسان نفسه .