ممدوح بيطار:
هناك حقائق صادمة بما يخص التراث الاقليمي أو تراث هذه المنطقة , فبمجرد الاحتكاك مع هذا التراث يصاب الانسان بالذهول والتعجب والاندهاش السلبي , وذلك بسبب تعاكس الصورة الوردية مع الحقيقة المفجعة , التي غابت عن الأعين للعديد من القرون , وبذلك تكرس وترسخ التكاذب في العقول والنفوس , ولم نعد نعرف كيف نتدبر أمرنا .
هناك مايسمى المسكوت عنه, اي الحقائق النسبية المذكورة في كتب التراث , والتي تثير مواجهتها الكثير من الاحراج , مثل قراءات النصوص المتعددة المتضاربة , ثم مسلكية الصحابة في السقيفة وبعد السقيفة , وملك اليمين , وتعدد الزوجات , والحجاب ووراثة مبدأ العين بالعين والسن بالسن , ثم الولاء والبراء , والعنف والقتل , والتوريث في الخلافة , والفتوحات التي طليت بطلاء المقدس , ولا ننسى كارثة مفهوم الايمان وما نتج عنه من تعطيل للعقل وضمور الفكر , ثم الديكتاتوريات واطاعة الوالي , وكون الوالي معينا من قبل الله , ومسؤوليته امام الله ,وليس امام الشعب , الذي يجلس تحت مؤخرة الوالي , ثم حقوق الانسان , والتنكر للمساواة وتقديم العدالة عليها , تلك العدالة المتمحورة حول مصالح جهة , والمتنكرة لمصالح جهة أخرى , يمكن سرد الكثير من المستور أو من الأمور , التي يفضل رجال الدين وتوابعهم ابقائها مستورة , وذلك لكي لايهتز ايمان المؤمنين , ولكي لاتتعرض الوحدة القسرية التجانسية للارتجاج , خوفا ملفقا على مصالح الأمة , فمصالح الأمة لاتصان عن طريق تشويه تركيبة الأمة , الوحدة المصنعة قسرا ,والتي تقضي على التعددية , لاتقود سوى الى افساد الحكم وولادة الديكتاتوريات , التي تعج بهم هذه المنطقة ,.
تتوضع الشعوب عمليا بين فكي كماشة رجال الدين الممثلة للأصولية وبين الاصلاحية , اصولية سبابة شتامة لكل من يحاول كشف المستور , لكون هدف محاولة الكشف والتشريح والتوضيح محاربة الدين ومحاربة الأمة , انه الحقد وكره العقيدة , المبني على أساس كون حب العقيدة هو الأمر الطبيعي والمنطقي والواجب , دون أن يخضع المؤمنون لنفس الواجبات , فعلى الايمان أن يكون أعمى أو شبه أعم البصر والبصيرة , الأصولية لم تستوعب لحد الآن عملقة التواصل الاجتماعي وتأثيراته , التي قضت أو ستقضي على كل تمويه او تستر , لم يعد التستر ممكنا وتابعا لارادة الفرد ….استتروا ان ابتليتم بالمعاصي , التواصل الاجتماعي أقوى بدرجات من محاولات التستر ,
الجهة الأخرى من كماشة رجال الدين تمثل اؤلئك المرقعون , الذين يعتبرون كل ما يفرزه الدين مقدس , ثم يدمجون المقدس مع مفهوم السياق التاريخي , الذي لايستقيم مع المقدس الصالح لكل زمان ومكان , المقدس يلغي السياق التاريخي , والصالح لكل زمان ومكان يلغي السياق التاريخي , الذي يلغي بدوره المقدس , هؤلاء يجنحون حينا , الى مقولات صماء بكمااء , كقولهم , هذا ليس من الدين بشيئ , وذلك بتبريرات تخيلية , مثل داعش صناعة مخابراتية امريكية , أو يستجدون العطف على الدين لكونه الممثل للهوية لابل كل الهوية , ثم يوردون الآيات والأحاديث الممثلة لوجه من الأوجه المتعددة , التي تحدث عتها علي ابن ابي طالب …
اندثرت في عصر الشبكة وعصر التواصل الاجتماعي كل حظوظ وفرص الأصولية والاصلاحية الترقيعية , ولم تعد امكانية الترقيع فعالة , فالشبكة خلقت فضاء مستقلا , ساهم بشكل كبير في تشريح التراث (بكبسة زر) , وكشف المستور , شبكة امنت وصول المعرفة لكل انسان بدون مقابل , مصدر مستقل للمعرفة , مصدر متمرد على كل رقابة سلطوية سياسية أو سلطوية دينية.
عدم التمكن من التعرف على القضاايا الاشكالية تفصيليا , قاد الى تلك الصورة الوردية المشوهة عن تاريخ الدين وواقع الدين ورجاله , واذا تمكنت الشبكة من احداث صدمة في المجتمعات المتنورة , فما بال مجتمعاتنا التي لاتزال تعيش في ظلام ما قبل الحداثة , هنا كانت الصدمة بالغة القوة الى حد تدمير المصدوم ’ أو تنويره اذا بقي قابلا للاستيعاب والتفاعل البناء مع ثقافة التغيير الفكري العميق في كل المجالات ومن اهمها الفكر الديني , المهدد بشكل جدي من قبل آلة ” التقنية” , التي لم تعد آلة “التقية” قادرة على الصمود امامها .
من يهدد خرافات الدين ليس ذلك الحاقد , انما تلك الحقيقة , التي مكنتنا وسائل التواصل الاجتماعي من التوصل اليها .