ممدوح بيطار :
يكفي أن تشمئز من افعال شخصية ما كخالد ابن الوليد وأفعاله , التي كان من ضمنها ذبح شخص آخر بغية اغتصاب زوجته , اضافة الى تذبيح عشرات الألوف من البشر ثم حرق البشر احياء , أو أن تستنكر نصا معينا كالعهدة العمرية , والأمثلة عن حالات مشابهة عديدة , حتى يهتاج بعض او معظم المؤمنين , وتصل بهم الاثارة الى حد استخدام العنف بالمتيسر من اشكاله , التي لاتقتصر على اللفظي , وقد تصل الى العنف الجسدي …الى القتل او الذبح او الاغتيال كما كان الحال مع فرج فودة او ناهض الحتر والكثير غيرهم , أو قد تصل الى اشكال غريبة جدا مثل التطليق القسري من الزوجة , كما كان أمر نصر حامد ابو زيد … يكفي ان تدعي بأن الشعر الجاهلي لم يكتب في العصر الجاهلي , كما فعل طه حسين , لكي يطالب المؤمنون بتعليقك على حبل المشنقة ….
تعبر كل تلك الارتكاسات وغيرها , مثل الاتهام بالحقد على الدين وازدرائه وكره الدين وعدم احترام المقدسات الى آخر وصلات التأنيب والتقريع والتهديد وممارسة العنف حتى بأقصى اشكاله , عن محاولة النيل من شخص تناول موضوعا يخص شخصا او فئة او مجموعة او حالة اعتبارية كالدين او الرسل غير متواجدة بشكل مباشر في اطار الحوار , الذي يتم عادة بين أفراد غير مشمولين بشكل مباشر بمادة النقد …. الا انهم يعتبرون نفسهم مشمولين , لكون كل منهم خالد ابن الوليد أو على الأقل ممثلا لابن الوليد ووكيلا عنه , فمن يشهر بابن الوليد يشهر بهم , كل منهم تحول الى رسول او اله او على الأقل موكلا من قبل الرسول او الله لممارسة الدفاع عنهم , وهل يتضمن الدفاع عنهم واجب شتم الآخر ووصفه بالحاقد , وتهديده ولربما قتله او تطليقه من زوجته او حرق كتبه او ارغامه على الاعتذار والتنصل من مواقفه أو مما قال أو كتب , كما حصل مع السيد قمني , هل الشتم والقتل والتطليق من الزوجة وحرق الكتب والتعليق على الرافعة ( كما علق الشاعر أحمد النعيمي) من شيم الآلهة والرسل الذين علينا عبادتهم ؟؟؟
يطالبون باحترام المقدسات , ولا نعرف مضمون هذا الاحترام وكيف عليه ان يتم , ولا نعرف قائمة محددة لهذه المقدسات , التي يتم اختصارها او توسيعها حسب الحاجة والطلب , وهكذا أصبح سيف ابن الوليد مقدسا , حتى اعضائه التناسلية ورعشته اثناء اغتصاب أم تميم مقدسة , وعلى الله ان يرضى عنه ويرضيه….ذبح بني قريظة مقدس , ثم تقطيع أوصال من سرق ابل النبي وفقأ عيونهم بالكي بواسطة الحديد الحامي أيضا مقدس ,دخلة الرسول على الطفلة عائشة مقدس , واختطاف زوجة الابن مقدس , وحتى أن التقديس شمل خلفاء آل عثمان كالمجرم المجنون محمد الفاتح , وقانون قتل الذكور من الأقرباء ” يمكن لأي من ابنائي , الذي سيهبه الله السلطنة, أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة, وهو ما تقره أغلبية العلماء”, مقدس ايضا مافعله الفاتح من ابادة شعب بيزنطة, وابادة العثمانيين من أصول يونانية على يد اخلافه من الخلفاء , وحتى ابادة الأرمن والسيريان والآشوريين على يد خلافة عبد الحميد مقدسة , وأي نقد لها ليس سوى حقد وكره للدين , قائمة المقدسات طويلة وأطول بكثير مما ذكر …اياكم والطعن بالمذابح ! واياكم والتعرض لمقتل ثلاثة ارباع الخلفاء , والقول ان ذلك توحش , انما يعبر ذلك عن حقد على الاسلام وكره للاسلام .. فالخلافة مقدسة مهما فعلت ومهما فعل بها .
لاتتضمن تلك الممارسات والارتكاسات سوى المواقف الخاطئة … منطقيا خاطئة , وأخلاقيا خاطئة ومسلكيا خاطئة , ولا صحة لأي مضمون بها , انها نتيجة لحالة الانسان ذو البعد الواحد, وحالة التوحيد المرضية المعاكسة لطبيعة الانسان المختلفة بطبيعتها , انها ممارسات هادفة الى ارغام الغير بأن يضمر ما لا يظهر , أي انها بمثابة تحريض على المخاتلة اي النفاق , وبكلمة أخرى دعوة لاقامة المجتمع المنافق, مجتمع المنافقين الذين لايحترم الواحد منهم الآخر , الاحترام والاحترام المتبادل هو أن يتمكن أي من الابداء برأيه , وأن لايتم اختراع المقدسات ثم الاحتماء بها , والاساءة الى الآخر بواسطتها تعنيفا , عندما يدافع المقدس عن الشر يفقد قدسيته ويتحول الى مدنس ,التهذيب يعني المقدرة على تفهم الرأي الآخر , والتفاعل معه ايجابيا , عدم التهذيب يعني ان أفرض على الآخر رأيا مدعوما بالترهيب او الترغيب او بواسطة الولاء والبراء , أو أن أطلب منه أن يتحول الى منافقا .
تحول التقديس والمقدسات الى مادة مفلسة ومدنسة , لايستوعب معظم المقدسون فحواها ومعانيها ودلالاتها وممارساتها , لايعني التقديس ان يكون موقفي ايجابيا تجاه مقدسات الآخرين , بل أن أكون ايجابيا مع مقدساتي , فما هو مقدسا بالنسبة لي , ليس مقدسا بالنسبة للآخر ,من يطلب من الآخر تقديس مقدساته انما هو المخلوق التوحيدي المريض بمرض المطلقية , فالمطلق ليس سوى كفر مطلق , والأيمان مطلق بطبيعته , لذلك هو كفر أو على الأقل عامل من عوامل ووسائل التكفير , والتكفير كفر , الايمان مختلف بشدة عن الاعتقاد , الذي يتسم طبيعيا بالنسبية , الايمان هو تخل عن المحاكمة العقلية وتجاوزا للبرهان , وهو بالرغم من ذلك شبه حق بديهي لكل انسان , بشرط أن لايتم فرضه على الآخرين بأي وسيلة كانت , ولنقل وسيلة الترهيب والترغيب على سبيل المثال , الفرض بواسطة الترغيب أوالترهيب الخرافي , انما هو اعتداء على انسانية الانسان.
أن تطلب من انسان ان يموت في سبيل الله هو غش الهي , وان تهدد انسان بالشي على النار في جهنم انما هو اجرام الهي , وحلول البعض مكان الله اوالرسول أو غيرهم في انزال العقوبة بالغير , كوصف الآخر بأنه حاقد , انما هو تجديف على الذات الالهية , التي يعبدها وكلاء الله ورسوله على الأرض , لايمكن أن يقترن الايمان بالله مع الاعتقاد بامكانية الحلول محله أي ممارسة النيابة عنه , ان بذلك سرقة لصلاحيات المعبود واعتداء عليه والحط من مقامه ,
الضعيف هو من يحتاج الى تدعيم رأيه بأي شكل من أشكال العنف , ووصف الآخر بالحاقد هو تعنيف لفظي , الرأي السديد يفرض نفسه بالرغم من التعنيف , والعنف ليس برهانا وليس دفاعا , انما هو انتحار نفسي وعقلي وأخلاقي .
موضوع الجزء الثاني هو التاريخ .