ممدوح بيطار :
من المنطقي أن يثير موضوع التخلف في هذه البلاد اهتمام الجميع , ولما كانت هذه البلاد مرتشحة بالتراث الديني ,لذلك فانه من المنطقي وجود علاقة بين التخلف بشكل عام , وبين مقدرات التراث على قيادة عجلة التقدم والتطور ,لامناص من تحليل وتفكيك التراث.
للتخلف العديد من المسببات ,منها المهم الرئيسي ومنها الأقل أهمية والثانوي , هناك من يدعي بأن النصوص التراثية المتداولة لاتستقيم مع متطلبات العصر, ولا مع روح وجوهر الدين الحقيقي , فالدين الحقيقي في جوهره تقدمي !!!!, ولكن كيف نتعرف على جوهر الدين الحقيقي , بوجود العشرات من الفرق والفقهاء, ولكل فئة منهم رأيا وموقفا خاصا, هناك العشرات من الفرق والفصائل التي تتميز عن بعضها البعض بقدركبير من التباين , وكل منها يعتبر توجهه ممثلا للدين الحقيقي , الاسلام هكذا…. فرق وفصائل ومدارس واتجاهات ..الخ , بينها توجد بعض القواسم المشتركة والكثير من الاختلافات والخلافات , التي تتكاثر خاصة في الأزمات الحياتية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
بشكل عام يمثل البحث عن الاسلام الحقيقي نوعا من هدر الوقت والجهد , اذ أنه من المستحيل الوصول الى نتيجة < تمكن من التعامل مع هذا الحقيقي المفترض , اذا كان في الدين شيئا غير حقيقي فهو الاسلام الحقيقي .
تطور الحياة , التي يطغى التراث عليها مشلول الحركة الى الأمام , ونشط في الحركة الى الوراء, من أسباب نشاط الحركة الورائية هو تحريم الاجتهاد ,فالاجتهاد هو قطار الحركة الأمامية التقدمية المستقبلية ,الحركة التخلفية الورائية لاتحتاج الى الاجتهاد , اجتهد السلف , وصنع تراثا فرضه على الخلف وحرم تغييره , أي أنه أعفى العقل المطور من أهم واجباته وممارسة مقدراته …عقل أحيل الى التقاعد المبكر !.
هناك عامل آخر ذو علاقة بشلل العقل , هو النقل , الذي نشط منذ أيام الغزالي , النقل بحاجة ماسة للرجوع الى الوراء , اذ لايمكن النقل الا من الماضي , منطقيا لايمكن النقل من المستقبل , الذي تخضع صناعته الى أحكام الابتكار والانفتاح , أي أن ألنقل لايحتاج الى الابتكار , والابتكار معطل لامكانية النقل, وبوجود منهجية الانفتاح والابتكار يصبح النقل عاطلا عن العمل وفاقدا لوظيفته , وبالتالي يتحول الى هامش ونفايات فاقدة القيمة والصلاحية .
هناك للنقل شعبية وممارسين ومروجين ومستفيدين منه ,معظم من يروج ويستفيد منه , هم من فئة من فقد المقدرة على الابتكار , ومن انشل عقله وتقاعد , العقل المشلول والمتقاعد لايبتكر ولا يطور ,انما ينقل ويجتر , وبالتالي يكرس حالة التخلف في الجسد الاجتماعي , الذي يهيمن التراث عليه .
موضوع الحملات العسكرية التترية والمغولية والفارسية والصليبية والغربية هو أمر ملتبس وطارئ مرحلي , أما المزمن والأكثر تأثيرا فقد كانت الخلافة بشكلها العثماني والعربي ,والخلافة العثمانية, تميزت بكونها خلافة اسلامية أولا وكونها مزمنة ثانيا , وتأثيرها السلبي هو الأساس مقارنة بالغزوات التترية والمغولية والفارسية ,
لقد كان لما يسمى “الصدمة” الغربية تأثيرا ذو جوانب ايجابية مقارنة “بالصدمة” العثمانية الممميتة, لم يتم التعامل مع الصدمة العثمانية رفضا , لاعتبارها خلافة اسلامية وبالتالي مقبولة , تم رفض كل ماقدمه الغرب بشكل غير مباشر وجيد , لكونه كافر , موضوع الاستعمار غير التركي العثماني شائك , الا أن السؤال الذي يجب الاجابة عليه هو التالي: هل التخلف وبالتالي الضعف هو أحد أسباب الهجمات الاستعمارية والاجتياحات , أو أن هذه الهجمات والاجتياحات هي المسبب للتأخر !!!, السؤال محق ويجب الاجابة عليه بكل صراحة ووضوح .
لا أملك علاجا فعالا لمشكلة التخلف المتشعبة , الا أنه من الضروري التنبيه الى عدم فاعلية النصائح الطوباوية .. مثل نصيحة العمل على توظيف الثروات بشكل صحيح , ثم نصيحة توسيع دائرة الحريات والديموقراطية .. كيف يمكن لذلك أن يتم تحت اشراف الفساد وبدون وعي ديموقراطي شعبي ؟ كيف يمكن لكل ذلك أن يتم بوجود مايسمى العلماء , الذين ينشرون الجهل ويروجون للعودة الى صدر الاسلام , ثم تطوير التعليم تحت اشراف الشريعة الاسلامية , هناك العديد من الخرافات التي لاجدوى منها الا في زيادة التخلف , لنبحث أمر العلمانية, ! فقد تكون الدواء لأمراض هذه الشعوب.