ممدوح بيطار :
تحارب سوريا نفسها , انتصرت على ذاتها وكأنها عدوة للذات السوري ,أعتى الهمجيات الخارجية عجزت عن الحاق تلك الاضرار العملاقة بالبلاد , التي حققها المحسوبين على سوريا ومدعين الانتماء السوري من اعراب سوريا القوميين والدينيين , باتقان ومهنية ملحوظة , وحتى القديم والأقدم من الاحتلال العربي , والوحيد القيم والممثل لدلات الحضارة السورية ,قبل وصول جحافل البدوية , طالته يد الهمجية …كل مابقي في سوريا ويستحق الاعجاب كان من صنع السوريين القدامى ,بالمقابل لاتعرف السهول والهضاب والوديان منجزا عربيا اسلاميا واحدا يلفت انتباه السائح , الذي وجد في سوريا نصف الدنيا على الأقل , مما دفع أحد علماء الآثار للقول , كل منا له وطنان , الوطن الذين يعيش به ووطن البشرية في سوريا ,
لم يكتفي عرب الجزيرة بعدم اضافة اي شيئ الى الحضارة السورية , لقد اهملوا كل شيئ وخربوا كل شيئ ايضا , اهتموا باذلال الناس وخطف بناتهم وتحصيل الجزية وتطبيق ماجاءت به العهدة العمرية من انحطاط , لقد احتلوا بالسيف أرض شعب الحرف والمحراث والقانون والفلسفة والفنون والمسارح استيطانيا , وفتحوها تملكا , صحروها وبدونوها وحولوها الى بيوت دعارة ونخاسة ورقيق وجواري ومخطوفات ,
يأتي السائح الى هذه البلاد ليرى مايستحق الرؤية, فيلتصق بتدمر واوغاريت وماري وبصرى الشام وحصن سليمان وغيرهم ,معظم أو حتى كل مايراه ويصيبه بالدهشة والاعجاب عمره عشرات القرون , على أي حال عمره أكثر من ١٤٠٠ سنة, وبالرغم من ذلك يصرون على تسميتها عربية , اي منسوية لهم , ولا أعرف السبب الذي يدفعهم الى ذلك , سوى جنوحهم الى الشكلي , الذي يمارسوه حتى في تدينهم .
لايجوز غض النظر عن التخريب الذي اتى مع التعريب , عربونا وحولوا طبائعنا الى عربية بدوية , وهذا يعني الكثير , اننا نقتتل كما اقتتلوا , وقتلوا من بين ١٠٩ من الخلفاء ٨٦ خليفة (بدءا من ابو بكر الى عبد الحميد ) عفشونا وحولونا الى غنية حرب , جهلونا وبالتالي أفقرونا ,وبالتالي ملأنا الدنيا جياعا ولاجئين , وبسبب ميلهم الى التخريب كما قال ابو العلاء المعري , دمروا حتى بيت السيدة زينب … سبوها وسبوا معها فاطمة , دمروا حتى الكعبة وحجرها الأسود الذي استعصى على التدمير … نقلوا مايسمى حضارة تورا بوا الى تدمر ودارة , الى شمين وشمسين , الى بصرى الشام وأوغاريت ..الى ابلة وماري وحصن سليمان ..,وما لم يتمكنوا من تدميره سرقوه وباعوه في بازارات الآثار , مسروقاتهم تقف الآن شامخة في مختلف متاحف العالم كشاهد على توحشهم وحيونتهم.
لم تتوقف الحرب على سوريا منذ ١٤٠٠ , بدأت الحرب بالغزو ثم تغيير خصائس الناس , بمعنى كان الغزو الاحتلالي ليس فقط للمعاقل انما للعقول ايضا , غيروا اللغة بمرسوم , وغيروا الدين بممارسات لخصتها العهدة العمرية , التي مثلت أحط وثيقة في التاريخ الاستعماري , فتحوا وبالتالي تملكوا , وتحولت سوريا وبلاد الشام عموما بما فيها وما عليها الى غنيمة حرب …كلوا مما غنمتم حلالا … , للغزاة اربعة اخماس وللخلافة الخمس , وكل ما فعلوه كان استمراريا , واستمراريته انتقلت بعد الف سنة الى العثمانيين , الذي لم يعربوا , انما عثمنوا , الى أن انتهت الفاجعة المزمنة بنهاية الحرب العالمية الأولى , التي قادت الى اقامة دولا في بلاد الشام حسب ارادة سايكس بيكو , الذي جمع في سوريا اجزاء هشة في تفاعلها وتعاملها مع بعضها البعض , سايكس بيكو أسس لأول دولة سورية , واذا كان الشكر واجب , فعلى السوريين تقديم الشكر لسايكس -بيكو , الذي كان المؤسس الأول للدولة السورية .
لم يفتت الحلفاء العرب , لأن ماتسمى وحدتهم لم تنبع من داخلهم , انما كانت توحيدا في نطاق “الادارة ” لمستعمرات الخلافة العربية الاسلامية, كون بلاد الشام مستعمرة عربية اسلامية وكون مصر مستعمرة عربية اسلامية , لايعني كون بلاد الشام ومصر على سبيل المثال وحدة , الحالة تشبه الى حد ما حالة الكومنويلث , الذي تنتمي اليه دول المستمرات البريطانية , لاوجود لوحدة بين استراليا وكندا أو وحدة بين العراق وجنوب أفريقيا , والأمثلة بهذا الخصوص عديدة .
وحتى بعد اقامة دولة سوريا تحت اسم المملكة السورية وبعدها الجمهورية السورية لم تتوقف المساعي لتخريب ما قالم به الثنائي سايكس بيكو , امور الجمهورية السورية سارت بشكل مقبول حتى ثلاثينات القرن الماضي وبالتدريج تسلم اتحاد القوميين العرب والاسلاميين زمام الأمور , الى أن تمكنوا بعد قرن من الزمن من القضاء على الدولة السورية بأساليب وطرقا مختلفة لالزوم لذكرها تفصيليا , المهم اندثرت سوريا تحت سلطتهم التي عرفت حقبات التوافق وحقبات العداء بينهم , من تبويس الشوارب والتحارب بالتناوب , تحاربوا وتحاببوا وبالنتيجة قادت جهودهم المشتركة الى اندثار ما حققه سايكس بيكو.
في اطار تشويه العقول والمعاقل جاؤونا بالتراث البدوي , الذي لايزال نشطا ومقاوما حتى هذه اللحظة , اننا فاسدون , ومصدر فسادنا هو البدوية, التي فشلت بعد الاحتلال البدوي في خلق مجتمعا يعيش من الانتاج (ثنائية العيش -الانتاج) , لقد كانت الأرض التي احتلوها مؤلهة للزراعة , وشعب الحرف والمحراث مؤهلا للاستقرار والابداع وللزراعة والعمل … اعتمدوا على اقتصاد السرقة والنهب والعصبية والعنف والثأرية وعادوا بالمجتمع المتحضر الى القبيلة والعشيرة , ثم الى العنف واحتقار الفكر والمفكرين والحضارات , ثم معالمها لكونها رمزا للصنمية , لم يبنوا ولكنهم نشطوا في تهديم مابني , الصحراء منبتهم والتصحير هدفهم , وقد نجحوا ولو جزئيا في الوصول الى أهدافهم , اننا الآن نتيجة لكل ذلك بدو بدون صحراء