ممدوح بيطار :
لايبخل المشهد السوري علينا بالعديد من الصورالمؤلمة , التي تظهر مدنيين سوريين , في رحلة الى المجهول , مصطحبين معهم حاجاتهم الشخصية وأطفالهم على الأكتاف أو تائهين بين الأرجل , في نظرتهم حيرة وخيبة أمل مؤسفة ومؤلمة , انهم من منتجات العنف والحرب , التي لاترحم ,
لاشك بأن المنظر ليس مؤلم فقط ,انما مرغم على طرح أسئلة حرجة , فما هو الدافع من انجاب كل هؤلاء الأطفال , ثم تركهم للمصير الذي تريده الحروب لهم , ألا يتحمل والديهم بعض المسؤولية عن ماساة هؤلاء الأطفال , وهل كان قرار الانجاب الغريزي , والذي يتحكم الحيوان المنوي والبويضة به , قرارا عقلانيا حكيما او قرارا خاطئا ؟ وهل التكاثر بحد ذاته فضيلة , عند تعرض من ولد حيا الى الموت قتلا أو سحلا أو جوعا أو مرضا ؟,وما هي فائدة الانجاب العشوائي , عندما يلتهم الموت المبكر المواليد الجدد , فقط 1,9 من المواليد الجدد من بين ١٠٠٠ مولود جديد يموتون في لوكسمبورغ , يقابله موت أكثر من 50 طفلا في الدول المتأخرة الأخرى .
من حيث النتائج والمسؤولية لاتختلف الحرب الساخنة بالمدفع والبندقية , عن الحرب الباردة التي تجيع وتقتل وتشرد …مثل الحرب التي يشنها الجهل على الانسان , والحرب التي يشنها الفساد على الانسان , والعديد من الحروب الأخرى , ولنسمي كل ذلك, ان كان باردا او ساخنا “أزمة” ,هنا على الوالدين تقييم فداحة الأزمة بشكل مستمر …. هل تسمح الأزمة بالتكاثر كتعبير عن نشاط ووفرة بويضة وحيوان ؟ او أنه على الوالدين تقييم الوضع بشكل عقلاني , وتصنيف الأزمة من ناحية تأهيلها وتمكنها من رعاية المواليد الجدد …. انه نهج مختلف جدا في جوهره عن مطلقية تقديم نصيحة التكاثر مهما كلف الأمر , لأن النبي سيفخر بالشعب المتكاثر عند القيامة,
يولد الطفل ويبقى غريزيا حتى سن التمايز الجنسي أي حتى الربيع السادس او السابع من العمر , هذه هي المرحلة الغريزية من حياة الانسان , تلوها مباشرة ماتسمى المرحلة السياسية من حياة الطفل , ومفردة سياسة هنا لاتعني السياسة بالمعنى التقليدي للكلمة , انما تعني مرحلة التحضير والتقويم والبناء … مرحلة تهذيب الغرائز وتجنيدها في خدمة الانسان, مرحلة أنسنة المخلوق البشري .
غياب المرحلة السياسية , كما هو الحال في البيئات المتأخرة , حيث تكون المدرسة فاشلة , ووسائل التربية الأسرية فاشلة , والمجتمع فاشلا , والفشل ممثلا لكل جوانب الحياة الأخرى , هذا ان جاز اطلاق اسم “مجتمع” على تجمع بشري قاصر, اي على قطيع بشري , يقود الى بقاء الانسان او المولودة / المولود الجديد في المرحلة الغريزية , التي تتحكم بها في مرحلة تالية ايضا, أي تتمدد المرحلة الغريزية على حساب المرحلة السياسية , هنا يصبح الانجاب , الذي لايراعي ظروف الحياة الاقتصادية بالدرجة الأولى , والحياة هي اقتصادية , على الأقل من وجهة نظر ماركسية ومالتوسية ايضا , ممثلا لحياة غريزية , أي حياة معيارها الحيوان والبويضة , نشاط يضع المخلوق البشري , الذي افتقد المرحلة السياسية , في المرحلة الغريزية , أي في مرحلة التوحش المؤكدة على أن الانسان بالأصل حيوان .
الانسان الذي لايتم تأهيله للتمكن من السيطرة على غرائزه , هو تعريفا حيوان ,والبرهان على ذلك واضح , فكل الشعوب ذات الانجابية العالية مثل الانجابية السورية , والتي تقدر ب3,4% هي شعوب لاتمت بأي صلة لمجموعة الشعوب المتطورة , قارنوا بين انجابيات الشعوب المختلفة ,ستجدوا أن ارتفاع الانجابية مقرون دائما بالتأخر , الذي لايجوز الافتخار به كما نصح الرسول الكريم, أصلا لايجوز اعتماد النصيحة الرسولية في هذا العصر , فأغلب الظن كانت لهذه النصيحة دوافع سياسية حربية , في عصر بدأ بتهييء نفسه للغزوات والفتوحات , فعدد المحاربين قديما كان موازيا لعدد السيوف , ولا ينصح بخصوص الفتوحات الذي لايزال المؤمنون يحلمون بها حاضرا باستخدام السيف, السيف لاينفع في هذا العصر على الاطلاق, ما يمكن الاستفادة منه في هذا العصر هو العقل والعلم , السيف مناسب فقط للانتحار.
لمعالجة الحالة الكارثية المؤسسة على تزايد عدد السكان بشكل يرضي الرسول ويهمل كل شيئ آخر ,هناك مبادئ علمية لابد من التقيد بها , اولا ضرورة وجود تناسب طردي بين تطور الديموغرافيا وتطور الموارد , ثم أنه لامناص من الافقار واختلاطاته عندما يتجاوز النمو الديموغرافي النمو الاقتصادي , ثم فهم كون القدرة على التناسل عموما أكبر من القدرة على زيادة الانتاج , ستفشل المجتمعات التي لاتأبه بالفرق بين متوالية التزايد السكاني 2_4_8_ ومتوالية الانتاج 1_2_3_, مجتمعات لاتمارس ما تسمى الموانع الوقائية من تزايد عدد السكان المستقل عن تطور الموارد , المهم والأهم هو خفض نسبة المواليد , لاحق للفقير الذي يتهم الغير بالتقصير في اغاثته , عندما يكون هو بتكاثره الغوغائي مصدر بؤسه وشقائه .