ممدوح بيطار :
تعيش غالبية الدول العربية حقبة سيئة على صعيد التعليم , وعلى صعيد العلم بشكل خاص , لاعلم ولا تعليم بوجود امية ابجدية بين 60٪ من العرب, فلكي تتعلم وتعلم عليك أن تكون على الأقل ابجدي , النتيجة الحتمية لظروف التعليم كانت سيئة كما هو متوقع , المؤشر على ذلك كان عدم وجود جامعة عربية من بين أول ٥٠٠ جامعة في العالم , علميا يعتبر مؤشر ال ٥٠٠ مهم جدا , ففي الشرق الأوسط تتصدر الجامعات الاسرائيلية بقية الجامعات الأخرى , لا أود التفصيل حول هذه النقطة , فالاحصائيات متوفرة لمن يريد التعرف على المزيد بهذا الخصوص , بشكل عام وعالميا تحتكر أمريكا وبريطانيا حيازة أفضل جامعات العالم .
يمثل قصور التعليم الجامعي والمدرسي بشكل عام خطرا كبيرا على أي مجتمع , فالتعليم هو أساس التقدم والتحضر والرقي , فشلت كل الدول العربية في انشاء مراكز جامعية متقدمة وراقية , وبالتالي استقر التعليم الجامعي العربي في الحضيض , مما دفع اليونيسكو الى تحذير بعض الدول العربية من مغبة ذلك التقصير , اذ سيتم عندها الغاء اعتراف بقية دول العالم بالشهادات التي تعطيعها جامعات الدول العربية , هذا يعني قطيعة تامة مع العلم والعالم وبالتالي اخفاق كامل.
اسباب اخفاق التعليم الجامعي عديدة , من أهمها اعتماد التلقين الجامد في المناهج , الجامعة كانت بالواقع بما يخص التلقين , نوعا من مدارس تحفيظ القرآن, اضافة الى ذلك هناك نقص كبير في الوسائل التعليمية , بما يخص الأجهزة وبقية التوظيفات الأخرى, لو اخذنا عامل معدل انفاق الدول العربية في مجال التعليم ,لوجدنا بأن الدول العربية مجتمعة تنفق حوالي ٠,٤٪ مما ينفق في العالم على التعليم , حصة اسرائيل من الانفاق تعادل ١٪ مما ينفق في العالم , اسرائيل الأولى عالميا بما يخص البحث العلمي , اذ تنفق عليه حوالي ٤,٧ ٪ من انتاجها القومي , بينما ينفق العالم العربي حوالي ٠,٢ من انتاجه القومي على البحث العلمي,
لاوجود لمنهج البحث العلمي الضروري لتمكين الطالب من وضع يده على المعرفة دون أن يتلقنها شفهيا , كما يتم تلقين الآيات وقصص الأجداد والجدات, لاوجود حتى للمعرفة التجريبية لدى المدرس ذاته , الذي بدوره درس نفس المناهج قبل عشرات السنين , لذا لايمكن التعرف على شيئ من التطوير الى الأفضل في هذا الخصوص , كل شيئ بقي كما هو , وكأن المنهج والعلم نوعا من الآيات القرآنية التي لايحوز مسها أو تغييرها .
التجربة هي أم الاختراع والابداع وهي الطريق الأمثل للوصول الى معارف جديدة, لاوجود لاستنباط معارف جديدة في هذه المنطقة , لذا يمكن القول بعدم وجود التجربة , سبب ذلك كان ذلك الميل , الذي أصبح غريزيا ومشتقا من العرف ومن التراث الديني , عن هذا الميل عبر مفهوم البدعة زندقة ,انه قريب في دلالاته من الهرطقة في فكر العصور الوسطى الأوروبية , مع وجود اختلاف بسيط , هو أن الهرطقة تعني الخروج عن العقيدة القويمة , بينما البدعة تعني الخروج عن الاجماع والفكر الجماعي , أي الخروج عن المألوف , الابداع غير محبب ومحارب بشدة لخروجه عن المألوف , كيف سيبدع البشر عندما تكون البدعة زندقة وعندما يلقي الفكر والعرف الديني ظله حتى على الجامعات والمراكز العلمية ؟ ,ماهو موقف بعض المشايخ العلماء من الادعاء بكروية الأرض ؟؟؟؟, وعلى هذا المنوال يمكن رؤية الجوانب الأخرى المعيقة للبحث العلمي الهادف الى صناعة ماتسمى “البدع” أي الجديد والخارج عن المألوف .
تقدمت الشعوب الأخرى , وتأخرت هذه الشعوب ,هذه حقيقة لامجال للتهرب منها , وماذكرته من أسباب ليس سوى جزء يسير من مسببات التأخر , الذي لايعود فقط الى استبداد السياسة , انما الى استبداد الجهل بالدرجة الأولى , واستبداد الجهل أمر مرحب به دينيا , فبدون الجهل لايمكن تسويق الخرافات الدينية , وعدم التمكن من تسويق الخرافات الدينية , يعني اغلاق السوق الذي يعمل به علماء الدين من مشايخ وأشباههم , أي العطالة وعدم المقدرة على التكسب ,
الكارثة واضحة المعالم والدلالات ,لم نكتف باغتيال سفسطائية الغزالي للفسلسفة , التي هي أم العلوم , والتي لاتدرس في مدارس العديد من الدول العربية , الجهل المحتضن من قبل التراث الديني اغتال العلوم والمعارف المادية, ولو لم يكون الجهل سيد الموقف , لما كان كتاب اعجاز زغلول النجار من أكثر الكتب انتشارا في العالم الاقليمي الذي نعيش به , ولما تحول مؤلف كتاب الخرافات الى أثرى الأثرياء , ولما خصصت له جريدة الأهرام صفحة كاملة لنقل الجهل وتلقينه وتسويقه , ولما كانت هناك مدارس تحفيظ القرآن , ولما كان لمادة التربية الدينية مكان في المدارس ..