نبيهة حنا,ممدوح بيطار
أما عن التعامل مع شرف البنت , فالبدوية هنا في أجلى صورها وأقبحها ,حماية شرف البنت يتطلب تصفية من لوث شرفها , وعند عدم التمكن من ذلك تتم تصفيتها وازالتها من الوجود , ثم اعلان الانتصار والتفاخر بالفعلة , عملية جريمة الشرف تمثل ازالة ارهاب فقدان الشرف بوسائل لاتمت للشرف بصلة , حماية الشرف لاتتم بتكريس اللاشرف , لاتتم بالتوحش العابر حتى لحدود الغابة , لاتتم بالنذالة والانتفاخ وتورم الأنا ثم ممارسة العنتريات والمزايدات والأنانيات .
يرفض العقل البدوي الرعوي ممارسة التحليل والتفكيك , لأن التحليل والتفكيك يسير باتجاه معاكس للقطعية البدوية , التي لاتعرف الا مصداقية حد السيف الذي يفصل بين الحياة والموت , السيف هو من مستلزمات الحياة البدوية الرعوية , انه مصدر الرزق , بالسيف ينهبون ويدافعون عن كياناتهم ومسروقاتهم , وبحكم الاعتياد على ثقافة السيف يمارسون التحارب والصراعات الدامية احيانا كرياضة وهواية , لذلك فان تمظهرات القوة وشدة البأس والتفاخر بالعنف هو من خصائص البدوية المرتشحة في حياة الحضر في بلداننا والمسيطرة حتى على ثقافة الحضر , وبذلك سارت الأمور بعكس المنطق , الذي يرى طبيعيا هيمنة الحضر على الثقافة البدوية , التي ترتكز على معادلة اعلاء شأن الذات وخفض شأن الآخر , فمجرد وجود الآخر هو بمثابة تهديد , لذلك يجب الغاء الآخر بأي وسيلة كانت .
احترام البدوي لنفسه هو ترجمة لاحترام الآخر له ,واحترام الآخر له لايعني الا انصياع الآخر له , لاينبع نظام الفضيلة عند البدوي الرعوي من داخله وانما من تصور الآخرين له , من خلال ثنائية شموخه -انحدارهم , البدوي لاينظر الى داخله وانما بصورته في ذهن الآخر , فالجهل الشنيع هو أن تتخفى خلف ظن الناس بك , ظن تمليه هيمنتك عليهم وخوفهم من سيفك واعتمادهم عل فتات مكرماتك ….هذه هي صفات الزعماء العرب !
ما ذكرن ليس الا نمازج عن العقل البدوي الرعوي , الذي كان له الانحسار أمام الحضر , والاسلام الذي اراد الحد من البدوية عن طريق ترسيخ مفهوم “الأمة” , انصاع حتى في السقيفة الى منطق البدوية , وتبنى منظمومة فضائلها المتمثلة بمنطق السيف والقهر والغلبة , البدوية الرعوية انقلبت على الاسلام وهيمنت عليه وقولبته بقالبها , والقولبة فعالة حتى هذه اللحظةا .
اننا نعيش في بيئة صنعتها العقلية البدوية المتمحورة حول العنف والسيف وذهنية الراعي والرعية , هذه العقلية حولت الانسان الى مجرد “اداة” تنتظر الحصول على حقوقها بشكل مكرمات من قبل الراعي , حقوق المواطن مرتبطة بمكرمات الراعي , وليس بواجبات الدولة تجاه المواطن , تؤسس هذه الحالة المؤطرة باطار أو هالة العطاء الى تغيير صيغة الحقوق , من صيغة الحقوق المكتسبة الى صيغة الحقوق الممنوحة , صيغ لاتخضع لمفهوم العدالة أو القانون , صيغة توهم الخادع والمخدوع , توهم الراعي الخادع بأنه متفاني في سبيل الآخر , وتوهم المخدوع من الرعية بأنه نال حقوقه ! , التي تتمثل بارضائه , ارضاء البعض من المتملقين! , فالارضاء شيئ والحقوق شيئ مختلف تماما.
فرض العقل البدوي الرعوي منظومة حكم لاتمت الى فلسفة الدولة بأي صلة , وحتى تصنيف ما يحكمنا ويتحكم بنا في مصنف ماقبل الدولة هو اجحاف بمفهوم ماقبل الدولة , اننا في مرحلة البدوية الرعوية , التي لايمكنها تأسيس دولة بل في أحسن الحالات قبيلة الى جانب قبائل أخرى , تتصارع مع بعضها البعض وتنهب بعضها البعض , لامناص بدويا من النهب الذي نسميه فساد , والفساد ليس من صنع الراعي فقط وانما من صنع الراعي والرعية , أي من البدوية .
لايرحب بدو بلادنا بالحديث عن البدوية , لقد ملوا من حديث البدوية والاحتلال البدوي عن البدوية والاحتلال البدوي , يعتبرون هذا الحديث فارغ وبالتالي ثرثرة لاقيمة لها, من جهتنا نعتبر مكافحة العقلية البدوية أساس الثورة الضرورية على الذات ,ثورة تغير قابلية البشر لممارسة الفساد , وتغير قابلية البشر لتحمل وتقبل الديكتاتوريات , وتهيئ المجتمع للديموقراطية والتحرر , البدوية الرعوية هي استعمار ثقافي , ولطالما بقي هذا الاستعمار فسيبقى التأخر , وستبقى الديكتاتورية وسيبقى الفساد والاستعباد !
ممدوح بيطار :syriano.net
رابط المقال :https://syriano.net/2020/08