الوحدة التعيسة وتداعياتها البائسة

فاتح  بيطار :

  يمكن  التعرف  الآن في  سوريا  على ثلاثة  مواقف  بخصوص    مفهوم  الوحدة  , هناك موقف  لامبالي  وموقف  معارض  ثم  موقف  مؤيد  , وما  يريده  هذا  المقال  هو طرح  وجهة نظر  معارضة  للوحدة, أو بالأصح  للتداعيات  الارتدادية  المنتظرة  من خطوة  فاشلة , فشلت الوحدة , وساهم فشلها  في افشال  تطورات  وتصورات وحدوية مستقبلية ,  الفشل كان متوقعا, والانفصال كان حتميا  , ذلك لأن هذه الوحدة ” الاندماجية” لم تكن  الا  عملا مراهقا  اعتباطيا  لمراهقين  في السياسة  , سواها سوى   أعمال أخرى  لربما  أكثر كارثية من فشل هذه الوحدة   مثلا حرب ١٩٦٧  وغيرها من الحروب  التي  لم يكن لها من نتائج الا  زيادة الرقعة المحتلة من قبل اسرائيل  ,  انتكست الوحدة  وكان لها أن تنتكس , تعثرت وكان لها أن تتعثر  , وفشلت  ولم يكن لها  من مستقبل الا الفشل .

طرق  الدول الأوروبية  في توحيد أوروبا  أوضحت العديد  من  تداعيات  الوحدة السوريةـ المصرية  , وغيرها من مشاريع الوحدات , كمشروع الوحدة الليبية التونسية أو الليبية اليمنية أو السورية العراقية ١٩٧٩, اذ أن سبل الوحدات العربية الفاشلة  تمثل  سبل التوحيد الأوروبي معكوسة ,  فهناك  التكامل   ثم الاندماج , وهنا الاندماج ثم التكامل,  هنك   ضرورة  سياسية  -اقتصادية   في   أوروبا ,وفي  مشرقنا   هناك   بالدرجة الأولى  أمور نفسية  عنصرية, فضرورة الوحدة تكمن  في المشاعر الجياشة  تجاه    العرب  من  قبل  العرب  ,ثم  الشعور   بالهوية المشتركة,  والمكانة العاطفية للوحدة  لدى الانسان العربي  , ومن  يستند على  اعتبارات رومانتيكية من هذا النوع   لايستطيع  تحقيق  الوحدة المادية  , أي انشاء دولة واحدة  , ذلك لأن الوحدة ليست ضرورة نفسية وجدانية  فقط  وانما ضرورة مادية وامكانية مادية   تفرض نفسها تلقائيا  عند التمكن  وعند  الضرورة ,  فقبل   اتحاد  الدول  يجب اقامةهذه  الدول  , وما نراه من كيانات  لايمثل “دولا ” بالمعنى العلمي لهذه المفردة  , وأسباب عدم وجود دول  واضحة  , فالنهب والسرقة والفساد والديكتاتورية والتسلط  واغتيال الحريات  واللاقانونية  لاتؤسس “لدولة” ,شعوب  تتنكص  وتتحول  الى طوائف  وعشائر , جيوش   تتنكص  وتتحول  الى ميليشيات  خاصة … تلاشت “المواطنة”  لعدم وجود وطن  يمكن به ممارستها , المواطنة أصبحت مادة للدجل  والتوظيف  من أجل الكسب ,أخشى   أن تكون سوريا عبارة عن  كيان  استبدل الاستعمار الخارجي باستعمار داخلي  أظلم   واعتى  من الاستعمار الخارجي ,  ولطالما سوريا “مستعمرة ” لذلك فانها  لاتمثل دولة , ولا يمكن لها أن تتحد مع دولا أخرى.

لاتستحق  العنصرية  العربية  ذرف دمعة واحدة  عليها  , هذه  العنصرية   ارادت   الجمع     ففرقت,فرقت   شعوبا كانت  في  وحدة  شكلية , كالشعوب   السورية , التي  كان  عليها   بعد   الحرب  العالمية  الأولى   تطوير    نفسها  باتجاه اقامة   مجتمعا   سوريا   متكافلا   متضامنا   هو   المجتمع   السوري   ,  الذي هو   أساس  بناء   الدولة  السورية  ,  وحتى   في    اطار  الدولة   الاسمية  الشكلية   السورية    ساهمت   العنصرية  العربية   في   عملية  التفكيك …    فبعد  اقامة     مشروع   الدولة   من  قبل   الغرباء    ظهرت    بوادر  مشاريع   الدويلات   , كالدولة العلوية , التي     برر المطالبون  بها   سعيهم     بوجود   نوعا  من  عدم  الثقة   بين  العلويين  والسنة ,  والذي   أكده   السلطان   سليم   بمذابحه ,   الأمر  لم  يتغير  تبريرا ,  لذلك   ولدت   منهجية  الهيمنة   العلوية    كوسيلة  دفاعية ….  الأمر   بشكل  مختصر…   في  ظل   العروبة –  الاسلامية   لم  تندمج   فئات   الشعب   السوري   مع  بعضها   البعض , وانما     تنافرت من  بعضها البعض,  وابتعدت  عن  بعضها  البعض  ,.

لم    يبق  الأمر   بين  علوي  وسني , وانما   تطور  ,   الآن  لدينا   عداء  قومي  عربي  -قومي   كردي ,  الأكراد  لايريدون   العيش  مع   العرب  , ولهم  بدون  شك   أسبابهم , التي    يمكن    اختصارها      بمحاولة  العرب  تعريب  الأكراد ,    هناك   اضافة الى   ذلك  مشاكل    للعروبيين  مع   الدروز    ,  وحتى  مع  التركمان , وبشكل  عام    يمكن  القول   بوجود   هوس  عروبي , أبعد  فئات   السوريين  عن  بعضهم  البعض على    الأقل  من  الناحية  النفسية الوجدانية ,  اضافة  الى   ناحية  الانتظام   ضمن   الدولة  السورية …الانتظام  لم   يكن  بشكل  وحدة   وانما  بشكل   انفصالات   ,  فالهيمنة  العلوية   هي  بمثابة   أنفصال , لأن  زوال  هذه  الهيمنة   واستبدالها  بهيمنة    أخرى ,  يعني   تجديد   الحديث   عن  مشروع  الدولة  العلوية, ولربما   السعي     لتحويلها   الى  واقع   سياسي .

يمارس   العروبيون  نوعا   من   التبخير   الذاتي  , ببخور   الوحدوية ,  الا  أن   جهودهم   التوحيدية   قادت    الى   العكس  من  الوحدة   , والأمر  مشابه   بما  يخص   الأمازيغ   ,  ثم  جنوب  السودان  ودارفور    وكردستان   العراق  ,   ثم  مشاكل   السعودية والبحرين   ولبنان   وحتى  الانقلاب  الذي كان  من   أهدافه نقض  الانفصال  ساهم  في  تكريس  الانفصال وساهم في  التأسيس الى  تشرذمات  لم تبلغ  في  سوريا   لحد  الآن  أقصاها   ,   فالسنين  بعد  الانفصال  ولحد  الآن   لم  تعرف  الا ظاهرة  التجزئة  لما كان  ظاهريا   موحدا, لايمكن  لكيان  قطري   أن يتوحد مع  كيان  قطري آخر  لتشكيل  دولة   أكبر  وأقوى  , عندما   يكون هذا  الكيان  القطري  مصابا  بمرض  التجزأة , الأمثلة  عديدة    فهناك  سوريا  والعراق  واليمن والسودان , وهناك من يتوقع قيام ١٥ دولة أو دويلة  عربية على أنقاض  ٥ دول عربية  , ومن سوريا وحدها  قد   تولد عدة دويلات   منها  دولة للعلويين  , الذين يقال  ان  ٩٥٪ منهم  يريد  انشاء دولة خاصة بهم .., هناك  الأكراد   أيضا  وهناك يقظة  سيريانية   آشورية , وهناك  انعدام  الثقة   بأي  مشروع  وحدوي  بين  الدول  العربية , فكيف    ستتحد  دولا  مع  بعضها  البعض  عندما  تكون  هذه  الدول  داخليا  ممزقة ؟؟, لاوجود  لدولة عربية واحدة  لاتعاني  من  التمزق  الاجتماعي والسياسي  وحتى  الجغرافي  في  البعض منها ,  والتمزق لم   يكن  بشكل  رئيسي مرضا  مكتسبا , وانما  ولاديا  ومتواجدا   بشكل  كامن   أو ظاهر  منذ  قيام هذه  الدول ,.

 اذا  كان  التعلم  من تطورات  الاتحاد  الأوروبي  ممكن , فانه من  المستحيل  أو حتى  الضار  التعلم  من  تطورات  الوحدة  السورية  المصرية , لقد  كانت  هذه  الوحدة  ممثلا  شرعيا للسياسات القاصرة  وبالتالي المدمرة , حتى انه من الخطأ  تسمية  الخطوات التي  قادت الى    الاندماج   بأنها خطوات “سياسية ” لقد كانت  تلبية  لنزوات  شخصية  أو فئوية كالبعث  وطموحاته , فالسياسة كما هو معلوم  هي فن   التوصل الى قصى مايمكن من منافع ,  وقد كان على السياسي  الذي يستحق هذا الاسم  أن  يعرف سلفا  على أن  موضوع الاندماج غير منتج  , وذلك لأن  البدء كان معكوسا  ..أولا تكامل  وبعدها اندماج   وليس العكس  .

انها  وحدة  شعوب  قبل  أن تكون  وحدة  زعامات , ولا يمكن للشعوب   أن  تتوحد في  اطار   دولة جديدة  الا  من خلال  شرعية تمثيل  هذه   الزعامات للشعوب ,فالزعامات  هي  التي تنفذ   مشروع  الوحدة  وتضع  شروطها  ,الزعامت  بشكل  عام هي  زعامات  انقلابية  قسرية , مصدر  السلطة لم يكن  الشعب  وانما  الانقلاب والتزوير  والتضليل  , فالوحدة  هي   خطوة  عملاقة  من  الصعب   انجاحها  الا   بتوفر  الديموقراطية  القطرية  في  كل  قطر   يريد  انجاز مشروع  الوحدة ,  تسير   الدول  الأوروبية  في  طريق  التكامل  , وكل  الدول  الأوروبية ديموقراطية  أو حققت جزءا كبيرا  من المشروع  الديموقراطي  المتجدد والمتطور  باستمرار , ولأننا  هنا   نمثل  العكس  الأوروبي , هم  نجحوا  ونحن  فشلنا .

فاتح  بيطار :syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/04

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *