الهوية السورية …احتضانية تواصلية!!

ممدوح  بيطار:

  * كل  الفئات السورية,  من  دينية  الى  قومية الى   اثنية…..الخ ,يمكنها   أن تتواجد    وتتفاعل ايجابيا   ضمن  هوية  سورية أولية  رئيسية , من  طبيعتها  كونها مؤلفة  من  هويات   متعددة, لا  تتنافس   أي  منها  مع  الهوية  السورية,    وتتميز  عن   الهويات  الأخرى  بكثرة  وتعدد  الهويات   التي  احتضنتها  عبر  التاريخ  ,   الهوية   السورية  احتضانية  وتواصلية   ,  لذلك    ليست   ضيقة  ولا  هي   وحيدة  البعد ,   هوية  الدولة   المختصرة  بانتماء  واحد   هي  هوية ضيقة  جزئية  ومتنافسة  أو  متعاكسة مع   الهويات   الأخرى , وبالتالي معرضة   لمحاولة   الهيمنة  على   الهويات  الأخرى  , بالنتيجة   تأزم    العلاقة  مع  الهوية  أو  الهويات  الأخرى  , مما يقود   الى   الخلاف  وبالتالي   الى  الحروب  , التي  عايشناها     ليس   للمرة     الأولى  في   العصر  الحديث .

  لقد  عانت  سوريا  وعانى  الشعب  السوري ,   من  المفهوم  الضيق والجزئي  لهوية   الدولة  ,  مثلا   المفهوم  العربي   أو  الكردي   أو  أو التركماني  ..الخ  , العربي الذي  اراد   تعريب  الجميع ,وبالتالي  تنكر  لجميع    الهويات  والانتماءات   الأخرى  المتواجدة  في  البلاد   ,  الهوية   الضيقة   الجزئية  تحول  جماعة  الانتماء    الآخر  الى    أعداء ,  وهذا  ماحصل  في  سوريا  مع الأكراد ,  الهوية  الضيقة   الجزئية   تشعر   المنتمين  اليها   , بأن  الهويات  الأخرى    تشكل  خطرا  عليها ,  ولتبديد  هذا  الخطر      يخترعون  المشاريع   الصبيانية  والغير  ناضجة  دون  التفكير  بعواقبها , هل  كانت  هناك  جدوى  من  مشروع  التعريب  ؟؟؟وهل  هناك  علاقة  بين مشروع   التعريب وبين   الحالة  التي  نعبشها  الآن  في  شرق  -شمال   سوريا, لقد قاد  التعريب  القسري,  اضافة  الى  ممارسات   أخرى ,  الى ولادة  نزعة   استقلالية  انفصالية   لدى  الأكراد ,مما   سمح لتركيا   باستغلال   هذه  الحالة   لاقتطاع   أجزاء  من   سوريا   ,  تركيا   تدعي   الخوف  من  انتقال   المرض  الاستقلالي  الانفصالي   الى   أكرادها ,    بكلمة  أخرى ارادت  تركيا   تحديد شكل  علاقة  سوريا  مع  اكرادها  السوريين  , وبالتالي  تدخلت  تركيا  في مسألة  ترتيب   العلاقات  السورية  الداخلية   , وكأن سوريا  لاتزال  ولاية عثمانية ,  التدخل  العسكري  كان  جزء  من  مشروع   التدخل   الأعم  .

المفهوم  الضيق  والمقتصر  على  هوية  من عدة  هويات ,   هويات مثلت   الواقع  السوري التعددي , بغض   النظر عن أسئلة أخرى  لاقيمة  لها لاقيمة  لها ,  لاقيمة  للسؤال  من  أين  أتى  العرب  , ولاقيمة  للسؤال  من  أين  أتى  الأكراد  والآشوريين  والتركمان   وغيرهم   ,  انهم  هنا  في  سوريا مواطنين , وللجميع     ذات   الحقوق  والواجبات  , لقد اختلت  أسس  المساواة   بعد  محاولة  هوية من   الهويات   الجزئية   أن  تهيمن, مما  ساهم  في  نشوء  الوضع  الحالي  المتأزم التقسيمي ,   فالقصد  من  هيمنة  الهوية  العربية  كان   توحيد  الجميع   تحت  مظلة  هذه  الهوية  , النتيجة  كانت   العكس  ,  فبدل   التوحيد  كانت   الشرذمة,  وبدل   الوحدة  كانت  مشاريع   الانقسام  والانفصال  والاستقلال  وحتى  الحرب  بين    الأجزاء ,  وما رافقها    من  كوارث   أخرى .

 كل  ذلك   لم  يكن  ضروريا , ولم  يكن  ممكنا   في  اطار  الهوية  السورية   الجامعة  لكل  الهويات  الأخرى,  والمعبرة   عن  انتماء  الجميع  على  مستوى  الوطن  , ولادة   النزعة    الانفصالية   كان    خطأ  ولد  من  رحم  خطأ  آخر ,  الهوية  الضيقة  والمقتصرة على  انتماء واحد , والقاصرة  على   احتضان   الآخرين     تحت منظومة  المساواة ,  هي  المسببة   للنزاعات  ومحاولات   الانفصال  التي  تهدد  الوجود  السوري  كدولة, فالمشكلة    بين   الأكراد  والعروبيين -الاسلاميين   لم  تولد   من رحم   الهوية  السورية , وانما  من  رحم  الهوية  العربية  ,   التي   ارادت   الهيمنة ,اذ لامشكلة  مع  المكون  الكردي   عند  اعتباره  مكونا  سوريا,  ولكن    هناك  مشكلة  كبيرة  عند   اعتبار  الكردي  عربي  من  هوية حيث   لايريد ,  خاصة  عند  اعتبار الهوية الكردية والانتماء  الكردي  لصقة  شريرة وفائض  خائن   يجب   ازالته , ويجب  تعريبه   أو  على  الأقل  طلائه  بالدهان  العربي  , عندها قد تستقيم   أمور  الوطن  قسرا  وتمظهرا شكليا لفترة  قصيرة , الا  أن   التمظهر   الشكلي   مختلف  جدا   عن   الظاهرة  الحقيقية ,  وماذا   اذا ر فض  الأكراد  الطلاء  العربي ؟  عندها  الى  النفير  العام  والى   السيف الأصدق  انباء  من  الكتب, والى الحرب  ياعرب   .

 ليس  من  الضروري   ان  يتضمن  انتماء  ما   مشروعا  سياسيا ,  لذا لامشكلة  اطلاقا   مع العروبة  كهوية  ثقافية  الى  جانب  ثقافات   أخرى   , خاصة  في  عالم   التداخل  والتشابك   الحالي  ,  الا    أن  العروبة  تسيست  وأصبح  لها  مشروعا   سياسا  ,   هيمنت   العروبة  المسيسة   على   البلاد  قرنا  كاملا , والنتيجة !!  ..رجاء   انظروا   الى   هذه  البلاد!!!!  ,  العروبة   المسيسة كانت  كالدين   المسيس ,   تسييس  الثقاافة  وتسييس   الدين    هو   تطور  باتجاه   اغتيال  السياسة  والدين بآن  واحد   ,  وفي  هذه  الورطة    التي   لاحل   لها  وقعت  البلاد , اذ لايمكن   للهوية  الثقافية    أن تكون  هوية   قطرية   وطنية   أولية  وسياسية  , وانما      أممية  كالهوية   الدينية   العابرة  للحدود والصالحة   كانتماء  ثانوي   للبشر   عبر   الحدود …  لكنها  ليست  صالحة   كانتماء   أولي    ضمن   الحدود   ,  فضمن  الحدود   هناك   الوطن   ,  الذي   يفرض   أولية     الانتماء  اليه  على  بقية    الانتماءات   الأخرى  .

لاتحدد   العادات  والتقاليد  شكل  الهوية   ,    أما   الهوية   فتعمل   على   تحديد   العادات  والتقاليد  وتوجيهها   باتجاه  جديد,  فالعادات    والتقاليد  في  سوريا العلمانية  ستكون  غير  العادات  والتقاليد   في  سوريا الاسلامية  !,  ولكن  السوري  يبقى  سوري,  حتى     لو  لبس  جلابية , او  كان  له دين , او دينه  بدون دين .

ليس للهوية   السورية  التي  اعتبرتها  رئيسية  من  منازع   أو  منافس   , فقد  تكون  سوري  مسلم  او  سوري    عربي   أو  سوري  كردي   أو  سوري  مسيحي  ..الخ  الهوية  السورية   احتضانية  , اي   يمكنها   احتضان   الهويات   الأخرى ,  التي  يمكن  اعتبارها طارئة , جاءت  وارتمت  في  حضن   الهوية  السورية   الأقدم  من  كل   الهويات  الأخرى      ,  الهوية  السورية  مريحة ,  وبامكانها   الغاء  العديد  من  الاشكاليات  التي    أرهقتنا  وترهقنا   وسترهقنا ,  ان  لم   نتمكن  من  تحديد  انتماء    أو  هوية  لاتستطيع      افراز  المشاكل,

*ليلى  نصير

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *