جدلية الوطن والمواطنة والبدوية المتأسلمة …
ممدوح بيطار :
لايمكن الفصل بين البدوية والاسلام , فالعلاقة متشابكة , ولكن يمكن القول بأن مزيج بدوية -اسلام قد تميز في السقيفة بعودة البدوية , وبعد الخليفة الرابع بهيمنة البدوية , التي بلغت في بعض الحالات درجة السيطرة الكاملة على الخلافة ومسلكيتها وقراراتها .
لم يبد التراث المؤلف من بدوية +اسلام اهتماما ملموسا بالوطن الأرضي والوطنية , اذ لاوجود في الأدبيات الاسلامية -(البدوية)مايستحق الذكر عن الوطن والوطنية , يبدو وكأن الاسلاميون يرون في اسلامهم وطنا وفي ذاتهم الاسلامي مواطنين , هذه اشكالية مفصلية في بناء الوطن والمواطنة في هذا العصر , الذي لامكان به لكيانات عتيقة ميتة من هذا النوع .
تنكر الاسلاميون والبداوة للوطن والوطنية له اسبابه التي تتعلق بتنكرهم لما هو جديد وبالانسداد والتراثية والحنين للماضي واجتراره , مفهوم الدولة والجمهورية هو مفهوم أوروبي جديد نسبيا بالرغم من بلوغه حوالي 500 سنة من العمر , انه مفهوم جديد ومرفوض من قبل البدوية المتأسلمة ,وهل تقبلت البدوية المتأسلمة يوما ما فكرا جديدة أو منهجا جديدا؟؟.
لاوجود لمفهوم المواطنة الأرضية في البدوية , ومن يتمنهج اليوم بأحكام خارج الوطنية الأرضية , يتوضع خارج تاريخ الأرض, المؤسس ومنذ مئات السنين على تشكيلة “الدولة” والوطن والمواطنة , للتوضع خارج تاريخ الأرض تمظهرات وعواقب , منها ولادة أزمة حياتية كبيرة بين من هم داخل التاريخ وبين خوارج التاريخ , أزمة تتميز بانعدام امكانية التفاهم , وحيث لا امكانية للتفاهم تولد كارثة التصادم , ومحاولة هيمنة جهة على الجهة الأخرى قسرا ,من لايعترف بالوطن الأرضي يحاربه , لذلك فان البدوية تحارب الأوطان , أصلا لايمكن لخاصة الترحال أن تتوافق مع وجود وطن ثابت لايتمكن من الترحال مع البدو في تنقلاتهم بين هنا وهناك, لاتنسجم البدوية سوى مع الهيمنة أو الخضوع وكلاهما قسري لذا لابديل للبدوية من خيار الاستبداد والاستعباد والاقصاء والاخضاع بالقوة , تستقيم هذه الخاصة مع الفكر الديني , الذي يرى بأن الحكم المطلق هو لله وليس للشعب , والحاكم مسؤول أمام الله وليس مسؤول أمام الشعب ,
لايقتصر اغتصاب البدوية المتأسلمة لمفهوم الدولة وانما يشمل الفكر , فالفكر يتميز عن المعرفة بكونه خلاق , أي أن مهمتة الأساسية هي خلق أفق جديدة في الحياة , أي أفق متميزة عن الافق القديمة , لذلك لاترحب البدوية المتأسلمة بالفكر الذي يأتي بالجديد , لأنهم يعنبرون القديم صالح لكل زمان ومكان … الاجترار والانسداد شعارهم , هنا يلجؤون الى وسائل فظة لمحاربة الجديد منها التكفير , ليس لأن الجديد سيئ ,وانما فقط لأن الجديد غير القديم …أليست فكرة العلمانية التي اكتسحت العالم جديرة بالبحث والتدقيق , أليس مفهوم الوطن والمواطنة والدولة والديموقراطية جديرة بالتفكير وحتى التطبيق !!! انهم يتجاهلون عامل التطور في الحياة وبالتالي يتجاهلون الحياة بشكل كامل , فالحياة تطور , ومن يتجاهل الحياة تتجاهله الحياة أي يموت ويندثر على الأرض , افقهم في السماء , أفق غير مؤكد وتخيلي وغير مقنع الا للجهل المطلق .
من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن قاعدة البدوية المتأسلمة الفكرية لاتقوى على التعامل مع شروط الحياة الجديدة بتفاعل انناجي ايجابي , وهذا هو أحد أسباب تأخرهم , انهم يريدون التأخر عمدا وعن قناعة بفساد التقدم , و كلما اتسعت الهوة الزمنية بين تصوراتهم القديمة وبين ماتقدمه الحياة من أفق جديدة , ازداد تأزمهم وازدادت غربتهم وازداد تعلقهم العبثي بصيغة المجتمع “الشخصي” والابتعاد عن صيغة الشخص “الاجتماعي “, أي أنهم لايتمكنون من صياغة منظومة المجتمع , وبالتالي ليس بامكانهم صياغة مشروع دولة ورعايته وتطويره كباقي دول العالم .