ممدوح بيطار:
بالنتيجة أرى بأن الفتوحات الاسلامية قد برهنت عن كونها كغيرها من الحروب الاستعمارية والحروب المقدسة..حروب استعمارية استغلالية , وجوهريا لافرق بين كل اشكال هذه الحروب , ومن ناحية التبرير لا وجود لحرب احتلال دون تبرير ملفق , الا أن التبريرات الاسلامية تختلف بعض الشيئ عن التبريرات التقليدية الأخرى, الا أن الجوهر واحد .
الفارق الأساسي يتعلق بمفهوم الجهاد الذي يروج لنبل وقداسة هذه الفتوحات , ثم التكليف الالهي لنشر الدين الاسلامي في ظل الاعتراف بأنه لا اكراه في الدين … لكم دينكم ولي ديني , هنا يصطدم استخدام السيف في عملية التبشير ونشر الاسلام مع الاعتراف بأنه لا اكراه في الدين ؟, وهل يستقيم التبشير بالدين الجديد مع ممارسة السبي والجزية وتصدير المصريات ونساء الأمازيغ وغيرهم من البلدان المفتوحة للعمل كجاريات في قصور الخلافة ؟؟
لم يتضمن التكليف الالهي ممارسة كل هذه التجاوزات , لذا يمكن ويجب اعتبار الفتوحات عملية سلب ونهب وامتداد لما مارسته القبائل العربية في الجزيرة العربية قبل الاسلام , حيث اعتاشت هذه القبائل من الغزو ومن غنائم الحرب , أتى الاسلام ووحد هذه القبائل سياسيا وعسكريا ووحد ايضا نفسية ” الغزو ” عند هذه القبائل , ثم زود هذه القبائل المدمنة على الغزو بمبررات اضافية كمبرر قدسية وضرورة نشر الاسلام اضافة الى التشجيع على الافراط في الحهاد حتى الموت , فالموت هو مقدمة لحياة أخرى , هو انتقال من الحياة الفانية الى الحياة الأبدية حيث الحوريات بأعداد وأشكال تفوق كل تصور , وحتى عذرية الحوريات كانت من الثواب المضمون لكل مجاهد في سبيل الاسلام أي في سبيل الله.
ما يميز الغزوة عن الاحتلال النفعي الاستعماري هو عامل الفرض الديني لاستكمال تكوين المسلم ( يسمى ذلك هذه الأيام بالمسلم الأعلى), الفرض أخبث من الحاجة المادية الاستعمارية الخسيسة , فانكلترا بحاجة لقناة السويس للوصول الى المستعمرة الهندية ,لذلك فان الحاجة النفعية عند الاستعمار التقليدي محدودة وليست شاملة , أما الفرض الديني فلا يهتم الا بالانسان الذي عليه أن يتأسلم , والانسان موجود في كل مكان , لذلك فانه من واجب المسلم وضع كل مكان يسكنه انسان تحت السيطرة الخلافية , فكل انسان بحاجة الاسلام لضمان الحياة الدنيا وخاصة الخلاص الى الدنيا الأخرى.
حاجة المسلم الى الغزوة والاحتلال هي حاجة مستمرة ,ولا يقف في طريقها الا عامل عدم المقدرة على تنفيذها ,لذلك توقفت الفتوحات ولم يبق من ثقافتها الا التباكي عليها , العالم بعكس ذلك فرح جدا لانعدام المقدرة على القيام بالفتوحات , تصوروا امتلاك 300 مليون عربي مسلم لامكانيات 300 مليون أمريكي عسكريا واقتصاديا وسياسيا , فكيف سيصبح حال العالم عندئذ ؟؟
اختلفت التبريرات والجوهر واحد ,الا أنه بالرغم من ذلك من المتوجب النظر الى أمر الفتوحات كواقع تاريخي يتأرجح بين الوحي من جهة والواقع من جهة أخرى , وعلى البشر واجتهادهم اللجوء الى الوحي تارة أو الى الواقع تارة أخرى أو الى الاثنين معا حسب الحاجة وحسب الظروف , فاللجوء الى الوحي ينفي الحاجة لمبررات اضافية , فكلام الله هو بحد ذاته المبرر لنفسه ولاحاجة لكلام الله أن يكون منطقيا حسب المعايير النبوية ,لأن كلام الله هو أصلا معيار لكل شيئ.
علاقة الواقع مع الوحي هي علاقة تكافل وتضامن ,الواقع يتضامن مع الوحي , والوحي يدعم الواقع حسب الضرورة والظروف , فواقع التهديد الافتراضي البيزنطي والفارسي للخلافة كان له تأثير ليس بالقليل على غزوة سوريا ولبنان , وقد اقترن هذا الواقع التبريري مع الوحي الآمر بنشر الاسلام في المنطقة السورية,كما أن الواقع عمل يدا بيد مع الوحي في تحديد الارتكاس لحادثة قتل فروة الجذامي من قبل الرومان لأنه اعتنق الاسلام , نتيجة لذلك على الرومان الرحيل عندها يتمكن كل انسان من التأسلم لابل يجب على المسيحي أن يتأسلم اتقاء من الجزية والمضايقات الأخرى المتثلة بكونه مواطن من الدرجة الثانية , ولكي يستطيع السير على الطريق مع المسلمين دون أن “يطورق”!!
علاقة الدين مع الدولة في العصور الوسطى كانت علاقة اعتمادية ,هناك الدين ورجاله والدولة ورجالها , طرف يعتمد على الآخر وبالعكس , وذلك من أجل ضمان سيطرة الطرفان (اقتسام السلطة بين الدين والدولة) أتى الاسلام بمنظومة الخلافة التي هي دين ودولة , وبذلك ألغيت ثنائية التحكم ليحل محلها احتكارية التحكم وديكتاتوريته ,مزج الدين مع الدولة في الخلافة الواحدة حول الفتح ظاهريا الى “واجب” بدلا من تمظهره عمليا “كحاجة “استعمارية , الفتح قناع لنشاط استعماري أشد خبثا من النشاط الاستعماري التقليدي الذي يخضع الى أحكام الحاجة أكثر من خضوعه الى أحكام الواجب .
واقع الأمر، إن مشكلة تبرير الفتوحات الإسلامية ترجع لافتراض أساسي، وهو قداسة هذه الفتوحات ونبلها، وذلك بناء على نبل الغاية، ما يجعل كل التفاصيل مقبولة، ويمكن التعامل معها بمنطق القداسة، وهو افتراض لا تعززه ممارسات التاريخ على الأقل في عهد ما بعد الخلفاء الراشدين، لكن رؤيتنا للتاريخ، تحيلنا على معنى ثابت وغير قابل للتحول، وهي الرؤية المثالية للفتوحات كحركة غيرت وجه التاريخ.
قد لايجوز الاكتفاء بالقول بأن الجهاد مختلف عن الحروب المقدسة، وأن غايته نبيلة، فالجهاد في المحصلة تضمن السبي والسبايا وغنائم الحرب والتوسع في ممالك وبلدان الشعوب الأخرى ثم تأميم الشعب والأرض ليتحولوا الى جزء من ملكية العرب المسلمين
الحقيقة أن الفتوحات الإسلامية واقعة تاريخية، وقد يخالف البعض فيراها واجبا دينيا، أو أمرا عقائديا بحكم الأمر بالجهاد، والإخبار النبوي حولها،فالرسول بشر صحابته بفتوحات في الشام والعراق وفارس واليمن، وكثير من الأحاديث تشير الى صدق نية الاحتلال الذي تحول الى فتحا مبينا !