بين التكبير والتعبير ,توظيف المقدس في السياسة !
ممدوح بيطار:
هناك في الصراع العربي-العربي جبهات عدة ,من أهمها الجبهة الاسلاموية السياسية , التي تتقوى بالمقدس وتوظفه في خدمتها على ساحة صراع شعبية بسيطة تخشى لأسباب ايمانية نقد المقدسات وتفكيكها …المعركة عمليا بين أهل “التكبير ” مضافا اليهم الرسل والقرآن والتراث وبين أهل “التعبير ” بدون اضافات مقدسة وبدون رسل وصحابة وتراث.
يملك التيار الاسلامي السياسي حضورا ليس هامشيا في الحياة السورية الاجتماعية ,والاسلام السياسي يطرح نفسه من خلال تزاوج الاسلام كدين والسياسة كدولة اسلامية مبنية على الشريعةالاسلامية ,والاسلام السياسي بمساعيه الدينية والسياسية يحتكر التراث ويوظفه في مشروعه ,يوظفه ويقدسه ويتعامل معه توحيدا وواحدا وموحدا ,بالتالي يكفر كل شيئ غيره ويجعل الغير عدوا له ويخلق بالتالي وضعا انعزاليا عدوانيا لاتنفع في التخفيف من حدته وصفات الترقيع من تسامح وتعايش وطمأنة ووعود , سرعان ما ماينقلب التسامح والتعايش والوداعة الى وحش الشريعة المنفلت عندما يتثنى للاسلام السياسي أن يحكم .
لا يهدف الاسلام السياسي الى أسلمة الدولة فقط ,وانما الى اسلمة المجتمع من خلال فرض قواعد خاصة للحياةاليومية , التي على غير المسلم الالتزام بها قسرا وقهرا ,هوية المجتمع هي هوية الغالبية ,والغالبية تعني في قاموسهم “الغلبة” والتغلب هو الذي يملي وما على المغلوب الا الانصياع ,لايمكن للاسلام السياسي الا أن يهيمن على الآخرين عندما يحكم ,اذ أنه من غير الممكن أن يمارس الاسلام المساواة بينه وبين أتباع انتماء ديني آخر عندما يعتبر الاسلام الآخرين كفرة ,عدم قطع رقاب الكفرة أو تأجيل بتر رقابهم هو نوع من مكرمات الاسلام ..انه تنازل عن حق من حقوقه…انه لطف وعطف ,أو مايسمى سماحة , في ظل دولة اسلامية قد يعيش الآخر, انما كضيف او مستوطن وليس كمواطن ..مخلوق من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة ,ليس لمواطن الدرجة الثانية وما فوق أن يعارض لأنه أولا من الأقلية وثانيا لأن الاسلام لايسمح أصلا بأي معارضة .
انبثق التوظيف السياسي للمقدس الديني الاسلامي من خلال حفبات عدة منها مثلا حقبة الفتنة الكبرى ومعركة صفين , الا أن ابعاد التوظيف السياسي التي نلمسها ونعرفها اليوم هي حديثة بعض الشيئ , انها من انتاج خطاب دعاة الاسلام السياسي الحديثين بدأ من سيد قطب وليس نهاية بالقرضاوي.
مهما كانت ظروف توظيف المقدس في السياسة ومهما بلغ اضراره بالآخر,بالنتيجة يمكن القول على أن الاسلام كدين هو ايضا ضحية من ضحايا هذا التوظيف ,فالاسلام والسياسة يشكلان ثنائية متنافرة تنتج صراعا سياسيا واجتماعيا وتلحق أضرارا بالغة بالقيم التي تنظم علاقة الدولة بالمجتمع بشكل عام , الدولة تصاب بالتشوه من خلال تعرض كينونتها الأرضية الى تأثيرات سماوية بعيدة عنها وعن طبيعتها بعد السماء عن الأرض.
مهما حاولنا تبرير أو تلطيف اسباب التأخر في هذه المنطقة , لابد لنا الا أن نصطدم بخلطة الدين والسياسة المتناقضة والسامة القاتلة , لم يحسن الاسلام السياسي للدين ولم يحسن للسياسة , قيادة الدين للسياسة تنتج منهجية متجمدة وثابتة لايمكن أن تتوفر بها شروط السياسة التي هي فن الوصول الى الممكن , لذلك فان توظيف الدين في السياسة هو عمليا توظيف الدين في قيادة البلاد , هذا التوظيف نسميه مجازا “سياسة” ,والسياسة بمفهومها الكلاسيكي براء من الدين , تعبير الاسلام السياسي هو تعبير يحمل التناقض في ذاته ,اذ لايمكن للسياسة التزاوج مع تجمد الدين وقطعيته ,ولا يمكن لتجمد الدين التزاوج مع مرونة وديناميكية ونسبية السياسة ,لاسياسة في الدين ولادين في السياسة .
ضعف الأداء السياسي هو أحد المسببات لانتهاك الدين لحرمة السياسة ومحاولة الحلول محلها , ففي ادبيات السياسة نجد الآن الى جانب الحوامل اللغوية السياسية كالرجعية والرأسمالية والاشتراكية والعلمانية والعمالة والخيانة ..الخ , مفردات أو حوامل لغوية أخرى كالتكفير والزندقة والردة والحد والزكاة والجزية والشورى والبيعة والمبايعة والعهد والولاية ..الخ ,ومن يتابع مايكتب في مواقع التواصل الاجتماعي يكتشف فورا عمق الكارثة,فمهما كان موضوع التحادث ولو كان عن دود القز في الصين تراهم يلجؤون فورا للبرهنة عن صحة توجههم الى نصوص دينية ملوية الرقبة وتتوافق مع رؤيتهم ,يضعون الدين والأيات والأنبياء والصحابة والأحاديث في مرمى نيران معارضيهم ,وعند التعرض للدين والآيات يجن جنونهم , يعتبرون ذلك في كل الحلات طعنا وازدراء بالمقدس الديني …,انهم لايناقشون الفكرة وانما يكفيهم تصنيف صاحب الفكرة .. فهوزنديق لكونه ليس اسلاموي , وأفكار الزنديق زندقة , الغرب كافر لذلك أفكاره كفر, وأذكى الأجوبة على سياسة اسرائيل مثلا حول بناء الجدار هو “اليهود كفرة أحفاد القردة “… وكيف يمكن معالجة اشكاليةالجدار عن طريق التفاكر حول كون اليهود كفرة أو أحفاد القردة , من ينهي عن ذلك الأسلوب الموجه للانفعالات والعواطف يتهم بالخيانة والعمالة والعلمانية ,حيث أصبحت العلمانية “تهمة”.
لايفهم الاسلام السياسي العالم ولا يفهم العالم الاسلام السياسي ,منهجية غبية ومخبولة بالتكبير ,توظيف الدين كبديل للسياسة سيقضي على الدين والسياسة معا ,وأول الغيث كان القضاء علينا !!