هناك التباس في العديد من نواحي حياتنا ,يقال على أننا مواطنين ونعيش في وطن لذلك علينا أن نكون وطنيين , الا أننا حقيقة لسنا مواطنين ولا نعيش في وطن ولا علاقة لمدلول الوطنية المفروض علينا بالوطن وانما بالتذلل لشخص احتل البلاد ,ولا لزوم للشعوربالمبالغة وعدم الدقة من أجل مفردة “احتل البلاد ” , فعلا احتلها بالعسكر واستعبدها ونهبها وخربها ودمرها , الاحتلال يعني فرض سلطة على البشر قسرا , وبرهان القسر في اليد , لو أراد الشعب مايريده الأسد لما اشتعلت الحرب الأهلية , قد يقول المحتل على أن من يحاربه ليس سوري !,نعم ليس سوري الا أنه حموي وحلبي ودرعاوي وادلبي …, لقد تلاشت سوريا واندثرت ولا وجود للسوري عندما لم يعد هناك شيئ اسمه سوريا , لكن بالمقابل من يحارب الدرعاوي والحلبي والدمشقي بالتأكيد ليس سوري ولو يكن يوما ما سوريا , انه الروسي والايراني واللبناني والأفغاني والحوثي , ألا ير الأسدي فعلا ذلك !.
أما عن الوطن فهناك التباس كبير , فبعد أن فقدنا انتمائنا السوري بعد فقداننا للوطن علينا تعريف الصيغة التي نتواجد بها على هذه الأرض , لقد انقسمنا الى نصفين , نصف أصبح في المنفى الخارجي , والنصف الآخرلايزال في المنفى الداخلي , أي أن الوجود هنا هو تواجد في المنفى السيئ مقارنة بالمنفى الخارجي الأفضل , ولو لم يكن كذلك لما حاول من تواجد في المنفى الداخلي الهروب الى المنفى الخارجي , ذلك لأن المنفى الخارجي يحترم كرامة الانسان ويطعم الجائع ولا يهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها , وفي المنفى الخارجي توجد كهرباء وماء وغذاء ومدارس ومستقبل أيضا , ولا يوجد في المنفى الخارجي تجنيد قسري على طراز “سفر برلك” ولاتتم لملمة للشباب لارسالهم قسرا الى الحرب , كما أن المنفى الخارجي لاوجود لسرقة المعونات ولا للمخابرات وفي المنفى الخارجي لاضرورة للاقتتال والقتل , أما عن خواص المنفى الداخلي فحدث ولا حرج , انه المنفى الذي لايؤمن لقمةالعيش واذا تواجد من يؤمنها له يقوم المحتل الداخلي بسرقتها , وعن الاهانة والتعذيب والتعتير والاعتقال فالأرقام مرعبة , وحتى الكلام ممنوع في المنفى الداخلي ,لايكف الجوع والاهانة في المنفى الداخلي هناك تهمة الخيانة العمومية , فمن لايزال يعيش كالدابة في المنفى الداخلي هو خائن بنظر البعض ومن هرب هو خائن بنظر البعض الآخر , على الانسان الذي لايزال هنا أن يبرهن على الدوام على أنه مع السلطة سيان ان كانت أسدية أو داعشية,
هناك التباس المنفى بالوطن , هناك التباس المقبرة بالوطن والتباس السجن بالوطن هناك التباس الموت بالوطن , من يدخل مدينة موالية يصطدم بالأشباح الميتة من الشبيحة معلقة كصور على كل جدار , لقد تحولت الجدران الى مقابر , هناك آلاف من الصور التي تمجد القتل والعنف , صور لأشخاص بلباس قاتل البشر اضافة الى آلة القتل والى بقية عتاد القتل من ذخيرة ونظرة ووقفة وتحدي وتبختر بالآلة التي لاوظيفة لها الا القتل , انهم كما يقول المكتوب “شهداء” وأبطال ومجاهدين في سبيل الله والأسد والوطن , وأي وطن هذا الذي لم يعد له وجود ولم تعد له حدود , وطن يمجد القاتل ويحرضه الى مزيد من القتل ليس بالوطن ,انه كيان منتحل لصفة الوطن, ولماذا الموت من أجل الأسد الذي لايموت من أجل أحد , قالها وقالوها صراحة سنحرق البلد ان ذهب الأسد ,عندما يصبح الشخص أهم من الوطن يفقد الوطن قيمته المعنوية والرمزية والمادية ويتحول الى سلعة رخيصة , لقد مات مئات الألوف من السوريين ولم يهدد أحد بحرق البلد من أجل موتهم ..هل نحن أمام دواب من جهة , ومن جهة أخرى أمام مخلوق لم تنجب النساء له شبيها , هل بشار الأسد بتلك الخواص الخارقة لكل معايير البشر بخواصه الجيدة أو بخواصه السيئة ؟ للأسف يجب القول على أنه خارق لأنه خوزق عشرات الألوف في سجونه وقتل مئات الألوف في ربوع ماكان يدعى “وطن” , شرد الملايين والملايين الباقية تنتظر أول فرصة من أجل الابتعاد عن الجيفة الأسدية …كل ذلك لايؤثر على مزاجه وعلى عزمه افراغ البلاد واعطائها لمن يدافع عنه , انه المجدد الذي جدد الشعب واستبدله بشعب آخر.
أهم مايشعر به السوري الآن هو حالة “المؤقت”, أعرف العديد من الحماصنة الذين سكنوا في الفنادق في بداية الأزمة , زعما منهم على أن الأمر “مؤقت” وبعد اسابيع يعودون الى بيوتهم , الا أن المؤقت تحول الى ديمومة , وبالتالي انحرفت حياة البشر عن الطريق الطبيعي ,، فغدا المؤقت طبيعيا والطبيعي مؤقتا، دون أن يكتسب أي منهما صفات الآخر، فلا الطبيعي الذي صار هو طبيعي، ولا المؤقت غادر طبيعته، فاندمجا معا في مؤقت اكتسب صفة الطبيعي دون أن يبارح أصله, حياة تشبه الموت , وموت لايشبه الحياة , وحتى مقارنة حياة “المؤقت” مع حياة البدو الرحل غير مصيبة , البدو يرحلون من هنا الى هناك بناء على دورة معروفة ذات علاقة بالمطر والخضر , أما حياة المؤقت السورية فتتسم بالمؤقت في المجهول والمجهول في المؤقت , على أي حال بلغت حالة الانسداد درجة من الكارثية لاتجد الكلمات المناسبة لتوصيفها .
لا أزال أجد صعوبة في التصالح مع كلمة “منفى” وكلمة “مؤقت”.لا أستطيع دون مقاومة داخلية الاقرار بأن رحيل الناس هو أمر ذو ضرورة موضوعية ,موضوعيا يجب على ٢٣ مليون سوري أن يرحلوا بطريقة ما, وذلك على الرغم من صعوبة التيقن من كون أوطان السوريين الجديدة أفضل من مكان ولادتهم وترعرهم , الا أن الواقع يفرض نفسه بقوة , نعم الأوطان الجديدة هي الأوطان النهائية وهي التي ستلغي مفردة “مؤقت” ومفردة “منفى” , وهي التي ستعيد حياة البشر الى دورتها الطبيعية التي تتميز بالاستقرار وبالتالي الاستمرار….المعادلة بسيطة وواضحة , المنفى السوري هو سجن لاتتوفر به الا امكانية التعذيب والاذلال , اضافة الى كونه المكان المناسب للموت جوعا ومرضا وقهرا , لقد تمكن الأسد من تغيير مفاهيم الوطن والحنين اليه ثم العودة , من يحن الى بلدته أو قريته التي ذاق بها المر لسنين , ومن هو الذي يطلق اسم الوطن على مكان المذلة والجوع والمرض والتشنيع والاعتقال والتشليح والسلبطة ؟؟وهل من المعقول بعد كل ذلك أن يتحدث المعذب في سوريا عن “وطن”