جورج بنا:
*
تبدأ السفير بالتفكير قاصدة التذكير , التفكير بألية الانهيار بعد الانتصار , وهنا بدأت السفير على لسان كاتبها نصري الصايغ بأول مغالطة , فمن الصعب أن أن يستقيم الانهيار مع الانتصار , هناك خطأ ما , اما في تشخيص الانهيار أو تشخيص الانتصار , فالانهيار نراه جائما على صدورنا يكاد يخنقنا ولا مجال اطلاقا في ارتكاب خطا تشخيصي , الصورة المرضية واضحة كالشمس , ليس فقط انهيار وانما اندثار , فحتى العودة الى الحالة السيئة قبل ٢٠١١ لم تعد ممكنة .. ناهيكم عن العودة الى حالة الخمسينات الجيدة نسبيا , وما يخص سوريا فقد أصبحت مقعدة تماما ونالتها تشوهات من غير الممكن ازالتها , مثلا تشويه التقسيم وتشويه البلاء الطائفي ..لايمكن احياء الميت ولا يمكن ازالة تبعات الموت !!
يبدو وكأن الخطأ التشخيصي يخص الانتصار , فمن كتب الحروب نعرف على أن المنتصر يملي شروطه على المهزوم , والمهزوم يوقع ويتعهد بتنفيذ شورط المنتصر , بعد حوالي أربعة أسابيع من الحرب بين حزب الله واسرائيل توقف كالعادة اطلاق النار , ثم صيغت اتفاقية برعاية الأمم المتحدة , وعلى الاتفاقية وافق حزب الله واسرائيل والدولة اللبنانية والأمم المتحدة وأمهروها بتواقيعهم , وللاتفاقية بنود عديدة منها بند حول شرعية وضرورة انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني , وتنص على تعهد حزب الله بعم ارسال مقاتلين جنوب الليطاني لاوجود هناك لأي مسلح باستثناء الجيش اللبناني , كما تقضي الاتفاقية بنزع سلاح حزب الله , وعدم السماح بتسليحه , لذا انتشرت السفن الألمانية أمام الشاطئ اللبناني لمراقبة موضوع السلاح .
كل ذلك لايوحي بأي انتصار لحزب الله , بل يؤكد هزيمة حزب الله , ولا يعقل أن ينتصر حزب الله على اسرائيل الا من الناحية المعنوية ..لقد قاوم أربعة أسابيع وانهزم , وغيره قاوم لأيام وانهزم , وقد كان نصر الله الذي اعترف بالهزيمة بقوله لو عرف أن الموضوع سيتطور بالشكل الذي تطور به من حيث حجم الخسائر المادية والبشرية فاق كل توقع , لما أقدم على اختطاف الجنديين الاسرائبيليين ,فمعلومات حزب الله عن التوازن العسكري مع اسرائيل كانت مغلوطة , كذلك كان أمر حرب ١٩٦٧ , حيث تصدر الخلل بعدم وجود معلومات كافية وصححيحة عن قوة العدو أسباب الهزيمة المنكرة , وكما في حرب ١٩٦٧ فقد اعلن الأسد انتصاره لأن البعث بقي قائدا للدولة والمجتمع , كذلك انتصر حزب الله لأنه انهزم بعد أربعة أسابيع وبقي نصر الله سيدا على المقاومة .. لم تخطئ اسرائيل بابقاء الأسد ولم تخطئ بابقاء نصر الله , فالأول دمر سوريا والثاني دمر لبنان , وماذ تريد اسرائيل أكثر من تدمير أعدائها واصابتهم بالانهيار الذي تحدث عنه نصري الصايغ .
لم تتقدم المقاومة بالانجاز كما ادعى نصري الصايغ , ولا يمكن أن يترافق الانجاز مع تردي الأمة بأنظمتها ومجتماعاتها في الخسران كما ادعى أيضا نصريالصايغ , الادعاء لايستقيم مع أي منطق ,اذ لم يحارب في ذاك الوقت الا نصر الله ولايمكن القول على أن السعودية خسرت تلك الحرب لأنها أصلا لم تحارب , ولم يكن عليها أن تحارب , لأن الحرب ضد اسرائيل مغامرة خاسرة وليس من نتجة لها الا الهزيمة , لقد حارب نصر الله وحيدا وانهزم وحيدا , الا أنه حصد محاصيل الدعاية المزيفة والأكاذيب وخرج من الحرب مستقويا على دولة لبنان التي شل حكومتها بعد ٢٠٠٥ واحتل عاصمتها بساعات في ٧-٥-٢٠٠٨ وبالنتيجة ايقظ باحتلاله لبيروت مشاعر طائفية جديدة زيادة عما هو موجود , لقد ابتلع لبنان ولم يبتلع اسرائيل , وما ابتلعه خرج من مؤخرته برازا , وبلغة السياسة تقدم لبنان خطوات كبيرة باتجاه الافشال , اننهزم نصر الله أمام اسرائيل الا أنه انتصر على لبنان وما بشر به بالنسبة الى اسرائيل حصل في لبنان …النزوح ..التخريب ..القتل .. الهجرة واللجوء , لم ينزح ولم يهاجر اسرائيلي واحد مقارنة بالملايين من اللبنانيين .
ينطلق الكاتب نصري الصايغ من افتراض يجانب الحقيقة , انه يفترض على أن حزب الله “مقاوم ” ويفترض على أنه “منتصر” , الا أنه توجد شكوك حول “مقاومة” نصر الله وتوجد شكوك حول “انتصارات ” نصر الله , من يقاوم العدو في سياق حماية الوطن لايخرب هذا الوطن عن طريق ابتلاعه ولا يؤسس لأحزاب ذات بنية وقاعدة طائفية في دولة مبتلية بوباء الطائفية , ولحد الآن لم يساهم حزب الله في عملية الشفاء من هذا الوباء , كما أن للانتصار معالم موضوعية , الانتصار يعني استرداد المسلوب ويعني تمنيع الوطن تجاه عربدة اسرائيل اليومية جوا وبرا , لم يسترد شيئا واسرائيل تعربد كل يوم .زتقصف وتقتل وتختطف المزارعين ولن تدفع قرشا واحدا لتعويض الخسائر المادية التي سببها القصف الجوي والبري , هذا ناهيك عن الخسارة الفادحة في مجال العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري , والذي سببه ابتلاع حزب الله للبنان , الذي كان من مظاهره تدخل حزب الله في سوريا , وهنا نريد سؤال نصري الصايغ , بأي صفة تدخل حزب الله عسكريا في سوريا ؟ , بصفته “دولة” أو بصفته حزب في دولة , في كلا الحالتين انهزم حزب الله اخلاقيا وانهزم سياسيا , والهزيمة السياسية هي التي تؤرق نصري الصايغ ويسأل “أي مُنكر أقدمت عليه المقاومة حتى يُحكم على انتصارها بالتشهير والطعن والتبخيس والتخويف؟ لماذا ارتكبت المقاومة هذا الانتصار؟ كيف خرقت الإجماع الرسمي العربي على الاستنقاع في الهزيمة؟” لقد أقدم نصر الله وحزب الله على العديد من المنكرات , وأول هذه المنكرات هو تصفية الفئات التي حاربت اسرائيل قبل أن ولادة حزب الله , من المنكرات أيضا الاحتكار اللفظي للمقاومة , لقد أزاح من يقاوم وهو لايقاوم , من المنكرات انتفاخ حزب الله وتدخله في العديد من البلدان والمناطق غير آبه بالدولة اللبنانية وصلاحياتها بما يخص السياسة الخارجية , من المنكرات التمويل الخارجي للحزب مما يرغم الحزب الى التبعية لدولة أجنبية , وهذا أمر لاتقبله أي دولة تريد أن تبقى دولة ولاتريد التحول الى كيان عصابات و يمكن سرد منكرات أخرى , الا أن ماذكر كان كافيا لسقوط حزب الله والى انقلاب التأييد الأسطوري له الى رفض اسطوري له أيضا .يسأل نصري الصايغ بعد توصيفة للحالة “يومها، تصدَّرت صورة «سيد المقاومة» بيوتات الناس في القارة العربية. لم ينظروا إلى مذهبه، نظروا إلى عمامته، رأوها علماً فلسطينياً، وإلى كوفيته، رأوها أمانة في عنقه. كيف انقلب هؤلاء الناس إلى أعداء؟, نعم كيف انقلب هؤلاء الى أعداء ؟ وبغض النظر عن أسباب الانقلاب التي يعرفها نصري الصايغ تماما , اقراره بحدوث الانقلاب هو اقرار بهزيمة حزب الله , اتى وذهب وغير العالم الى الأسوء ..ياليته لم يولد !
*السريالي س.دالي