المؤامرة في نظرية المؤامرة !

 نيسرين عبود:

يدعي اللواء بهجت سليمان  على أنه سؤل من قبل  ” مواطنٌ أردنيٌ مخلصٌ لوطِنِه الأردني ولأمّتهِ العربية: أما كان بإمكان القيادة السورية أن تحتوي هذا (التمرّد أو هذه الثورة) في سورية ، منذ بدايته ، بعيداً عن القتل والخراب وسفك الدماء؟”؟؟, السؤال في مكانه وله وجاهته وضرورته  ,  وقد أجاب السيد اللواء  على هذا السؤال  بالتالي:

“- وهل تعتقد يا صديقي، أنّ الحرب الدولية الصهيو-أطلسية-الإرهابية – الوهّابية، على سورية، تعود إلى حرصهم على إجراء إصلاحات في سورية أو تحقيقاً للديمقراطية أو إكراماً لعيون السوريين؟
إنّ الحرب الدولية مقرّرة على سورية، منذ سنوات، وبأدوات وهّابية وإخونجية وبأموال بترو دولارية.. وكلّ ما في الأمر، أنّهم استغلّوا الفجوات والثغرات الموجودة داخل المجتمع السوري، ليتذرّعوا بها، كنقطة انطلاق فقط، ومن ثم ليبدؤوا بتنفيذ مخططهم (الذي تحدّث عنه مؤخراً وزير الخارجية الفرنسي الأسبق “رولان دوما”)..

– وبالمناسبة، فإنّ الغرب الأمريكي والأوربي المتصهين، وأدواته الصهيو-وهّابية-الإخونجية، لم تعلن الحرب على سورية، من أجل معالجة السلبيات الموجودة فيها، بل من أجل اجتثاث الإيجابيات التي تتحلّى بها سورية..
وعندما تُعْلَنُ الحرب على دولةٍ ما – كما جرى مع سورية – فإنّ جميع محاولات الاحتواء أو التطويق الداخلي، لا تفيد بشيء، لأنّ الحرب خارجية، وبأدوات خارجية وأعرابية وداخلية، متأسلمة ومرتزقة ومرتهنة للخارج.. ولا يفيد معها، إلّا الدفاع عن النفس، كما فعلت وتفعل الدولة الوطنية السورية – بشعبها وجيشها وقيادتها..

– أعرف تماماً، بأنك تسأل من منطلق الحرص على سورية.. ولكنّ الكثيرين يسألون هذا السؤال، من منطلق الخبث والارتهان، في محاولة مستميتة منهم، لتحميل الدولة السورية، مسؤولية الحرب المعلَنة عليها، وتبرئة ذمّة المحور الصهيو-أمريكي وأدواته وأذنابه..
والانجرار إلى هذا الفخ، يعني الإقرار بأنّ ما حدث في سورية (ثورة أو انتفاضة أو ما شابه) وليس حرباً عدوانية إرهابية، تريد تحطيم الشرق العربي، عبر البوّابة السورية..
والشرفاء من أمثالكم، لا يقعون في هذا الفخّ المسموم،

– ولكن الكثير من الخبثاء المرتهنين والمأجورين يعملون على تزوير الحقائق، عبر تسويق تقصير الدولة، في احتواء ما جرى في البداية، مع أنّ الدولة السورية، قامت بعشرات الخطوات الإصلاحية، في الأيّام الأولى وفي الأسابيع الأولى وفي الأشهر الأولى، وبما لم يرتقِ إلى مستواه، جميع الدول التي سقطت أنظمتها في العامين الماضيين، حتى بعد وصول قيادات جديدة للسلطة.. ومع ذلك يجري التعتيم على ذلك، ويجري التسويق لِمَا هو عكس ذلك.”.

ولماذا  نهتم بجواب اللواء بهجت سليمان  ونحاول  برهنة  مجانبته  للحقيقة ,على الرغم من أن الجواب  من حيث الأهمية  معاكس للسؤال؟,  اللواء  بهجت سليمان  يمثل السلطة وفكرها   بدون منصب  ,  وليس من مصلحة سوريا  ومصلحة الشعب السوري  تجاهل السلطة بالرغم من تفاهتها ,  التفاهة  لاتمنع الشر (هنا آرند ,  تفاهة الشر), لذا  يجب  عدم  الترفع  عن  التصدي لأي فكرة يطرحها النظام الأسدي , التجاهل لايحل المشاكل ! .

لايفكر اللواء بهجت سليمان طويلا  قبل أن يدعي  بصيغة الواثق من كلامه   على أن  الحرب في سوريا  هي تعبير عن حرب دولية  صهيو- أصلسية -ارهابية  , ومطالبة هؤلاء بالاصلاحات زائفة , فعيون السوريين لاتهمهم ,  قال ذلك   بثقة  توحي بأن موضوع  الحرب الدولية   هو أمر موثق  ولا حاجة لبحثه اطلاقا  , الا أن الأمر ليس  كما يظن السيد اللواء  , اذ أن  من طالب بالاصلاح  كانت فئات عديدة  وكبيرة من  المجتمع السوري  , وكل  التظاهرات موثقة  على أشرطة في  أرشيف الثورة السورية , لذا  فانه  ليس من السهل  تجاوز هذه  الوثائق , انها دامغة !.

اللواء بهجت سليمان   يمتطي ولحد الآن جواد نظرية المؤامرة ,  وله  أريد القول على أن نظرية المؤامرة  هي بحد ذاتها مؤامرة   , ومن يتبناها   انطلاقا من ذلك هو متآمر  , ونظرية المؤامرة تهدف  الى خنق  أي مبادرة  لكشف  المؤامرة ,  ولكي يزيل بهجت سليمان الشبهة  عنه وعن نظامه  روج للنظرية  ومن المتوقع  أن يشاركه في  تغريدة نظرية المؤامرة  كل من يريد  ازالة الشبة عن نفسه , وأولهم بشار الاسد .

فنقد نظرية المؤامرة لايعني عدم وجود مؤامرات ,  واعتراف النظام السوري  بالعديد من الأخطاء  , يفترض بحد ذاته  وجود “ارادة ”  لازالة هذه الأخطاء عند  المتضررين من هذه الأخطاء  , أي عند الشعب  وخاصة عند فئاته المتضررة ,  والمتضرر من الأخطاء  ميال لزيادة وزن فعله الارادي  ونادرا مايستطيع  لوحده  القيام بذلك  والوصول الى الغاية المنشودة  ,فللثورة “ارادة ”  وتحقيق الارادة  غير ممكن  دون الآخرين  من لهم مصلحة مشتركة  مع  صاحب الارادة  , وفعلة هؤلاء  يسميها  بهجت سليمان مؤامرة  .

للأسد ارادة  , وارادته  تتمثل  بالانتصار  على الثورة  , ولما  لم يكن بامكانه  الوصول الى غايته المنشودة  , لذا  شاركه  في زيادة توزين ارادته  العديد من الأطراف  منهم  حزب الله ومنهم ايران ثم الشيعة من العراق  ومن باكسالن ومن افغانستان  , وبالتالي يصح هنا  تسمية فعلىة هؤلاء حسب مفاهيم  بهجت سليمان  بالمؤامرة .

“نظرية المؤامرة” ليست نظرية   وليست فرضية ,  لأنها لاتخضع  لتداول  عقلاني  , انها في أفضل الحالات “اسطورة”, النظرية  ذات بنية منطقية  تسمح  باثبات الصحة  وتسمح بالدحض  , أما الأسطورة  فلا تخضع الى  تداول عقلاني يسمح بالدحض او الاثبات , انها حكاية  ..اما أن تؤمن بها أو لاتؤمن بها ..دوغماتيكية  كفكر الديكتاتوريات بشكل عام ,  وهذه الحكاية  شبيهة بحكاية الأديان  والقوى  الكامنة وراء ستار الواقع الملموس , وهي كالفكر الديني  تعبير عن القدرية  وعن  استلاب الارادة من قبل  غول  مجهول  , كما أنها  وسيلة  لتبرير  الفشل والضعف والأخطاء, فالناس  والقصد هنا “الديكتاتور ” هو  كائن مسلوب الارادة  تحركه مؤامرة خفية  وهذه القوى هي قوى الشر التي تمنعه عن فعل الخير , لذلك فان بشار الأسد  الذي يتعرض للمؤامرة  مسؤول عن كل شيئ  وليس مسؤول عن أي شيئ ,  يريد ولا يستطيع !! والمؤامرة  دفعته مثلا   الى تأسيس منظومة الفساد ومنظومة القهر ومنظومة التسلط  ثم منظومة السجون  والاغتيالات في السجون والتعذيب  ثم الحرب الأهلية  وتشريد  نصف الشعب السوري  ثم  جوع نصف الشعب السوري  , المؤامرة تسببت بخسارة الجولان  وليست الحسابات الخاطئة  وسوء تقدير قدرة العدو , وبما أن المؤامرة فعلت كل ذلك  بالرغم من جهود القائد  , لذا على ربان السفينة البقاء  حيث هو , ولا عجب في نيل هذا الربان ٩٩٪ من الأصوات  , فقد تنافس  في معركة الرئاسة  مع المؤامرة  , وهل أصيب الشعب السوري بفقدان العقل لكي ينتخب المؤامرة ..معاذ الله !.

يريد منا  السيد اللواء  الاعتقاد بوجود  قوى خلفية تآمرية  يحيكها شيطان مقتدر على كل شيئ  , الا أن رئيسنا يملك من القوة والحكمة  مايجعله أقوى من المؤامرة  , لذلك يجب الحفاظ عليه  وعدم التفريط به  , فرحيله  كارثة  ,  وعدمم وجوده  على رأس السلطة مصيبة , وهنا أقول للسيد اللواء  على  أن مايمارسه من خرافات  بخصوص المؤامرة  لايهدف  الا الى تجنب النقد الذاتي  ولا يهدف الا الى  التمويه على مؤامرة  يحيكها  بشار وبهجت  وغيرهم , انهم قوى الشر   التي قادت البلاد الى ماهي عليه اليوم  ..خربة !.

يتابع بهجت سليمان  خرافاته بالقول  على أن  هدف المؤامرة كان اجتثاث  الايجابيات التي تتحلى بها سوريا  , وعن أي ايجابيات  يتحدث السيد اللواء! , فهل الفساد ايجابية  وهل الديكتاتورية ايجابية  وهل دجل الممانعة ايجابية …الخ , لا أعرف ايجابية  يمكن اكتشافها  بالمجهر  في كومة الخراب , ولا اعرف  سببا للعلاقة المعكوسة  بين  أزمة سببها  الحرب من الخارج  وبين  صعوبات او استحالة  عملية الاحتواء او التطويق الداخلي  , العكس هو الصحيح , فعندما تتعرض  البلاد الى أزمة سببها خارجي  يجب القيام  بالاحتواء الداخلي  , فالاحتواء الداخلي  هو مصدر قوة ,  والحال هنا مشابه  لتبرير  الديكتاتورية  الخرافي  ,  فالبلاد تمانع  وتقاوم  لذا  لايمكن ارساء  قواعد الديموقراطية  , ومن سمع منكم  عن مقاربة بهذا الشكل  ؟ فالبلاد التي   تقاوم  وتمانع بحاجة الى قوة  , والديموقراطية قوة وليست ضعفا  باستثناء  مدلول الديموقراطية في معجم الأسدية . 

أما عن موضوع التبرئة  والاتهام , نعم السلطة السورية   مسؤولة عن  اندلاع الحرب  المعلنة عليها ,  السلطة القادرة والمقتدرة  هي السلطة التي تدافع بفاعلية عن الوطن ارضا وشعبا , وما نراه اليوم  لايدل على أن  الدفاع كان فعالا , لذا كان على هذه السلطة  ان لاتولد  قبل خمسين عاما , وكان  الواجب الوطني  يقتضي القضاء عليها بعد ولادتها ..تأخر الأمر  للأسف , وكما يعرف  السيد اللواء عن الله , انه يمهل ولا يهمل !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *