نيسرين عبود:
*
يردد أدونيس منذ عدة سنوات مقولة فصل الدين عن الدولة كضرورة لايمكن الاستغناء عنها من أجل التقدم بالمجتمع , الا انه لايوافق على اسقاط السلطة الأسدية , لأن تغيير السلطة لايضمن تغيير المجتمع , وبشكل عام لامصلحة لنا بالبرهان عن خطئ مطلب فصل الدين عن الدولة , وأصلا ليس من الممكن البرهنة عن خطأ غير موجود , نعم ان فصل الدين عن الدولة هو الأساس الذي يسمح بانتاج جسد سياسي مدني يعمل عن طريق انتخابات حرة على تمثيل المجتمع سياسيا وبالتالي يعمل على تحقيق ارادة الشعب,ما من شك بصحة وضرورة الفصل , ولكن ليس من السهل فهم موقف أدونيس الذي لاير جدوى في تغيير النظام , ومؤخرا تطور أدونيس تطرفا فالحديث لم يعد عن “جدوى” اسقاط النظام , وانما عن ضرورة بقاء النظام , ولا يمكن القول على أن أدونيس مفتتن بالنظام , الا أنه ولعدة أسباب يرى على أن سقوط النظام يعني مجيئ داعش , ثم انه بكل تأكيد مصاب بشيئ من اللوثة الطائفية اذ أننه لاشعوري ايظن على أن سقوط النظام سيترافق مع مجازر مؤلمة بحق العلويين , ومهما ابتعد أدونيس عن العصبوية المذهبية يبق علويا , ولو اراد أن لابق علويا فهناك من يرغمه على ذلك , وأول من يرغمه هم الطائفيون الارتكاسيون من الجبهة المقابلة ,الجهة المقابلة تعتبره علويامهما كان علماني أو لاطائفي وتهاجمه على هذا الأساس وبالنهاية ترغمه على الاصطفاف مع العلويين وبالتالي يصبح علويا مسيس , الجهة المقابلة ليست أفضل من الجهة الأسدية ..كلهم طائفيون , منهم من مارس الطائفية شيعيا ومنهم من مارسها سنيا ولا فرق يذكر بين الطائفي الشيعي والطائفي السني ,
عودة الى أدونيس ومطالبته المحقة بفصل الدين عن الدولة واصراره على الاحتفاظ بالنظام الاسدي , سأبدأ بنفسي هذا اليوم وسأفصل الدين عن الدولة , لم ينفصل أي شيئ لأني كفرد لست دينا ولست دولة , وجهودي لأجل الفصل لاتتعدى كونها ممارسة دونكيشوتية بدون أي فاعلية وبدون أي نتيجة ايجابية , لا بالعكس قد تكون جهودي بداية لنهايتي في السجن حيث هناك لارحمة من الدولة ولا رحمة من الدين ,ولأني تمشيت خارج التيار يريدون تصفيتي ,اما بشكل دائم كاغتيالي تحت التعذيب أوبشكل مؤقت كسجني لوقت ما قد يطول الى عشرات السنين.
هناك حلف غير مبارك بين رجال الدولة ورجال الدين يسهلون أمورهم بشكل متبادل ويقتسمون كل شيئ ..والتاريخ لايعرف أكثر من الاحلاف بين السلطة ورجال الدين , للسلطة جاذبية كبيرة عند رجال الدين , والانسجام مع رجال الدين هو أمر مهم جدا بالنسبة للسلطة خاصة اذا كانت السلطة ديكتاتورية أو قمعية أو فاسدة,
لايمكن تجريد المطالبة الضرورية والحقة بفصل الدين عن الدولة عن الوسيلة التي يمكنها أن تفصل الدين عن الدولة , وفي كل الأحوال لايمكن لهذا الفصل أن يكون مجرد قرار ولايمكن للفصل أن يتم كالانقلاب خلال ساعات , والزمن اللازم لتحقيق بعض الفصل يتناسب طردا مع الزمن الذي حدث به الدمج الحالي بين الدين والدولة , واذا حاولنا تقدير الزمن الذي حدث به هذا الدمج ستكون النتيجة التقريبية نصف قرن تقريبا , حيث ولدت في هذه الحقبة ما سمي لاحقا “العلوية السياسية” خاصة بعد عام ١٩٧٠ , العلوية السياسية هي شكل من أشكال الاسلام السياسي الذي ليس الا دمج ممنهج بين الدين والدولة كما هو الحال مع الشيعية السياسية في ايران** أو الاسلام السياسي المصري أيام الرئيس مرسي .
نحن الآن أمام حالة مزمنة, وللانعتاق منها ومن شرورها ثم ايجاد البديل الصحي والصحيح عنها يلزمنا زمنا طويل نسبيا , هذا اذا بدأنا هذا اليوم , وللأسف لم نبدأ بعد , والبدء قد يكون بقرار كما حدث في المغرب حيث أصدر الملك قرارا بمنع رجال الدين من التدخل في السياسة , وكيف نبدأ وحاكمنا ليس محمد الخامس وانما بشار الأسد , الذي يقبل كل شيئ الا ترك الكرسي الرئاسي , والذي لايقبل حتى اصدار قرار*** كقرار الملك محمد الخامس مع العلم على أن هذا القرار شكلي في معظمه , الفصل يتم تدريجيا باتخاذ خطوات عديدة تمنع مثلا تفضيل شخص على آخر لسبب مذهبي , وهل يمكن لبشار الأسد , الذي حول الجيش من طبيعته السورية الى تطبيع علوي القيام بذلك , وفعلة من هذا النوع تعني سقوطه , اذ لايوجد عندئذ من يدافع عنه , ثم ان فصل الدين عن الدولة يتطلب قدرا كافيا من حرية الرأي , مثلا أن يتمكن مواطن أو جماعة أو حزب من اتهام الأسد بالطائفية بهدف التصحيح , وهل من الممكن لأي انسان في سوريا أن يتهم الأسد وما هو مصيره عندئذ؟.
الطائفية ابتلعت سوريا بلحمها وعظمها , وبالرغم من ذلك فان نقد هذه الحالة بهدف تصحيحها جريمة تودي بمرتكبها الى الموت في السجن , كما أن السير في مشروع فصل الدين عن الدولة يعني البدء بتفكيك المحاصصة المذهبية التي يتم تطبيقها الآن والتي تعطي لكل طائفه نصيبها من المناصب,نصيب الطائفة المسيحية التي تشكل رسميا حوالي ١٠٪ من الشعب وزير أو وزيران ..مثلا وزير الري ووزير السياحة وبعض المناصب التقنية , وحصة الطائفة العلوية تشكل عمليا ٩٠٪ من مجموع الحصص (مناصب ومراكز مفصلية في الدولة) , وذلك لأن الطائفة العلوية تشكل ١٠٪ من الشعب ,١٠٪ ديموغرافيا و٩٠٪ وظيفيا , السنة عليهم بالفتات وبعض المناصب الشكلية مثلا ديكور رئيس مجلس الوزراء , من يريد فصل الدين عن الدولة عليه البدء بتفكيك نشاذ المحاصصة واعتبار الشعب مؤلفا من كتل وفئات سياسية وليس من طوائف , وهل يمكن لأي قوة في سوريا تحقيق ذلك لطالما تواجد الأسد ؟, … من الممكن ذكر عشرات المئات من المجالات التي يمارس الاسد بها تسخير المذهبية لخدمة كرسيه , وتخلي الأسد عن هذه المذهبية يعني تخليه عن حاميه أي رحيله .
فصل الدين عن الدولة أمر ممكن ومطلوب من معظم السوريين حتى من العلويين , الا أن هذا الفصل غير ممكن تحت اشراف الأسدية ذات الأهداف التي تعاكس تماما هدف فصل الدين عن الدولة , وانطلاقا من هذا التقييم يمكنني القول على أن مناداة أدونيس والحاحه على فصل الدين عن الدولة صحيح , الا أن الحاحه هذا يتزامن مع الحاح آخر وهو الحاح الحفاظ على النظام الأسدي , وبذلك اراد أونيس اعطاء الداء والدواء بجرعة واحدة , فبقاء الاسد هو الموت لمشروع فصل الدين عن الدولة , ولا يمكن للمشروع أن يرى النور الا بعد ازاحة الأسد والأهم من الأسد هي الأسدية التي يجب اقتلاعها من جذورها ويجب بعد ذلك تصفية الحسابات بأقصى مايمكن من التسامح , وبدون تصفية الحسابات بشكل يعيد الحق والاعتبار للجميع ستقع البلاد في مطب آخر ومشابه هو مطب السنية السياسية , ان لم تنقرض المذهبية السياسية ستنقرض سوريا !.
* مها باجمال
**هنا يجدر التنويه الى فرق بين الشيعية السياسية والعلوية السياسية , حيث أن الأولى هي هدف بالدرجة الأولى , ووسيلة في الدرجة الثانية , بيننما العلوية السياسية هي وسيلة قبل أن تكون هدفا , ولربما من الأصح التدث في سوريا عن الأسدية السياسية , التي هي مزيج من العلوية والننفعية والعائلية والجهوية والاستغلالية .. المذهب في العلوية السياسية هو المذهب الأسدي , فالأسدية هي طائفة بحد ذاتها ولها اله مقدس وحكمها متوارث , انها دين جديد جديد انبثق عن العلوية وسخر العلوية لخدمته لقاء بعض الامتيازات للبعض من العلويين وغير العلويين
***سيقول بشار الأسد , لماذا القرار, سوريا علمانية والدين مفصول عن الدولة تماما !!!